يثير السؤال عن اليوم التالي لانهيار النظام السوري مخاوف العالم، لكنه بالنسبة للأردن يبدو كما لو كان سؤالاً مصيرياً، يستدعي التحرك بسرعة لمواجهة تداعيات سقوط ذلك النظام، ومن تجربته بعد سقوط النظام العراقي، الذي كان حليفاً موثوقاً للأردن، حين تم دعم فصائل بعينها من المعارضة العراقية، لضمان استمرار العلاقات المتميزة بعد سقوط صدام، تعلّم صانع السياسة الأردنية، درس عدم قصر علاقاته على جهة بعينها، والانفتاح على كل مكونات المعارضين للأسد، بمن فيهم قوى تنحدر من طائفته، إضافة لممثلين عن الأقليات الأخرى التي تدعم النظام، لضمان انبثاق حكومة متوازنة في المستقبل، تمنع انزلاق سوريا في الفوضى، وسيطرة المتطرفين على مقاليد الأمور.
المخاوف الأردنية المشروعة والمعلنة، تنصب على الأسلحة الكيماوية، التي اعترف نظام دمشق بامتلاكها، والخشية من سيطرة الإسلاميين على الحكم، بغض النظر إن كانوا متطرفين أو معتدلين، لأن تأثير ذلك على الخارطة السياسية الأردنية سيكون عميقاً ومؤثراً، فإن سيطر المتطرفون، فإن سوريا ستتحول إلى بؤرة تستقطب "الجهاديين" من جهات الأرض الأربعة، وإن آلت السلطة إلى المعتدلين من الإسلاميين، فإن مطالب جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لن تقف عند حدود أو سقوف، ولا تتناقض هذه المخاوف، مع الموقف الأردني المعلن حول ضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري، وعدم تأييد أي تدخل أجنبي، أوعسكرة الانتفاضة التي بدأت سلمية، واقتصرت في مراحلها الأولى على تظاهرات تطالب بالإصلاح.
رفض الأردن تكرار تجربته مع العراق، حين منع مرور السلاح المتطور للثوار السوريين عبر أراضيه، خشية وقوعها بأيدي المتطرفين، خصوصاً وأن السلفيين الأردنيين يتحركون على المكشوف ضد النظام السوري، وهو يقيمون الاحتفالات "بشهدائهم" على الأرض السورية، إضافة إلى أن الأمير الجديد لجبهة النصرة لأهل الشام، والتي أدرجتها واشنطن في لائحة المنظمات الإرهابية أردني، قد يكون نسخة مكررة من أبومصعب الزرقاوي، وعمان تدرك جيداً أن طبيعة علاقتها مع النظام السوري الجديد، تعتمد على آلية سقوط النظام، فإن كان سياسياً، بإشراف وتوافق دولي، فإن تأثيراته ستكون محدودة، أما إذا انهار البلد كلياً، وباتت الكلمة للعسكر، فان التداعيات تظل رهناً للتخمينات، لكن المؤكد هنا أن التداعيات ستكون أكبر، وأكثر تأثيراً وهذا بالضبط ما تخشاه عمان.
الموقف المعلن للأردن هو النأي عن تفاصيل المشهد السوري، لكن الوقائع تتحدث عن احتضان عمان لقيادات في المعارضة، كانت جميعها من صلب النظام قبل أن تنشق عنه، ومن أبرزهم رياض حجاب رئيس الوزراء السوري السابق، كما أن هناك مخيماً خاصاً، يضم بين جنباته العديد من العسكريين المنشقين عن الجيش السوري، وبينهم ضباط برتب رفيعة، ولا يصدق عاقل أنه ليست هناك اتصالات أردنية رفيعة بهؤلاء، أو أنه لن يكون لهم دور في مستقبل سوريا، إضافةً إلى ذلك فإن الأردن يجاهر بالتزامه الموقف العربي، الداعي لرحيل الأسد، وقيام نظام ديمقراطي يعتمد تداول السلطة، بدل حكم الحزب القائد للدولة والمجتمع، المهيمن منذ عقود.
لا تمتلك عمان ترف التفرج من بعيد على ما يجري عند حدودها الشمالية، وهي معنية بكل تفاصيل ما يجري الإعداد له، سواء من قبل المجتمع الدولي، أو من القوى المتصارعة نظاماً ومعارضة، فما يجري في سوريا له أصداء في الأردن، الذي يقف على الحافة، إن بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، أو الحراك الشعبي الذي لم يهدأ منذ عامين، مطالباً بالإصلاح ومحاربة الفاسدين، وإذا كانت السلطة الأردنية استجابت لبعض المطالب الشعبية، فلأن ما يجري في سوريا يضغط على عصبها، وهي اليوم تتحسب، وتعد أدواتها لمواجهة اليوم التالي لانهيار النظام السوري وسقوط الأسد.