يستغرق فيلم المخرج الأميركي، التايواني الأصل آنج لي في الفيلم في قضية مثيرة للجدل، ألا وهي طبيعة الإيمان بالله، عبر ما تبدو مغامرة إنسانية لفتى يجد نفسه وحيدا في عمق البحر على متن قارب نجاة صغير يشاركه فيه نمر بنغالي ضخم.المخرج عمد إلى التمهيد لقضية
يستغرق فيلم المخرج الأميركي، التايواني الأصل آنج لي في الفيلم في قضية مثيرة للجدل، ألا وهي طبيعة الإيمان بالله، عبر ما تبدو مغامرة إنسانية لفتى يجد نفسه وحيدا في عمق البحر على متن قارب نجاة صغير يشاركه فيه نمر بنغالي ضخم.
المخرج عمد إلى التمهيد لقضية الإيمان من خلال البيئة المكانية الاجتماعية التي تنطلق منها حكاية الفيلم المأخوذ عن رواية بالعنوان ذاته فازت بجائزة بوكر العام 2002 وترجمت الى العربية العام 2006، فينقلنا الى الهند حيث تعدد اللغات والأعراق والأديان: الهندوسية والمسيحية والإسلام، ضمن تكوين روحي ثقافي يرى أن " كل الأديان طرق للإيمان بوجود الله، وهنا نشهد المراهق وهو ينتقل بين أكثر من ديانة بأسلوب يجمع بين تطلعه الى الاكتشاف والبحث الجدي عن الإيمان الذي يمنحه صفاء نفسيا وصل إلى حد التعايش الممكن مع الحيوانات المفترسة، لكن هذا ما يلبث ان يصطدم مع أول تجربة حقيقية، حين قدم لنمر (ضمن حديقة الحيوان التي يملكها والده) قطعة لحم ليقرأ في عينه قدراً من الامتنان، ولكن والده حذره من تلك النظرة التي ربما لا تفصح عن طبيعة النمر، وضرب له مثلا عمليا بأن وضع أمام القفص غزالا صغيرا لينقضّ عليه النمر ويجرجرها جثة في لحظات.
المستوى الثاني من هذا الطريق نحو الإيمان بالله، يمثله ما عاشه الشاب هذه المرة من أقدار تبدأ من قرار الأب السفر إلى أميركا بعد أن ضاقت به سبل العيش، وهنا يعيش الابن الشاب مفارقة وهو يجد نفسه مجبرا على مغادرة بلاده التي يحب والتي منحت الإحساس الأول بحب امرأة جميلة، فيحاول أن يثني والده عن قراره بالرحيل عبر حوار يكتظ بالمفارقة العميقة الدلالة:
الوالد: البحَّار كولومبس هو الذي اكتشف أميركا
الابن: لكن كولومبس كان يريد الذهاب إلى الهند
لكن هذه المفارقة لم تثن الوالد عن قراره: فيشحن عائلته وحيواناته في سفينة، التي ما تلبث أن تغرق في المحيط، في مشهد برع المخرج في صنع أهواله المدهشة والمرعبة في آن، ثم يجد الشاب (باي) نفسه في قارب نجاة، ومعه: الضبع، الحمار الوحشي، القرد والنمر، ولان البقاء للاقوى، يقتل الضبع الحمار الوحشي والقرد، وفي النهاية يأكله النمر.
ووفرت تقنية التصوير الثلاثي الأبعاد "ثري دي" التي اعتمدها المخرج إنج لي، في تنفيذ استعارة ليست بعيدة عن "سفينة نوح"، ضمن قراءة صورتها التمسك بالحياة، وعمادها الدفاع عن الوجود الإنساني حيال أهوال تبدأ ولا تنتهي، فثمة النمر البنغالي الجائع الشرس، الذي يبدو في الجانب الآخر من الصورة سببا موضوعيا لحياة (باي) حتى الوصول إلى لحظة التعايش المؤثرة بينهما.
هنا لا بد من الثناء على الأداء البارع للمثل الهندي الشاب سوراج شارما (17 عاما) الذي قدم تمثيلاً مذهلاً الذي يتحول من التشتت حد الفناء إلى التماسك العميق ومحاربة اليأس بمفارقات تثير الضحك أحياناً، لكنها تقارب قيم التسامح والتعايش بين المختلفين: الإنسان الوادع حيال نمر مفترس، في مستوى قلق من العلاقة بينهما، المستوى الذي يمثله القارب في محيط عاصف، لا يهدأ إلا حين يصل الشاب المرعوب إلى الإيمان العميق بالله ليصل وهو على مقربة من الفناء إلى جزيرة مهجورة، يعيش فيها مع كائناتها الغريبة درسا من دروس إغناء الحياة وتعميقها.
كل هذا المسار الفكري جسده المخرج بصريا بعناصر طبيعية مدهشة: الأسماك الطائرة التي تكاد تقفز من الشاشة إلى الجمهور، الحيوانات الصغيرة التي تسكن جزيرة النباتات آكلة اللحوم، الحوت المضيء العملاق، والأمواج الرهيبة التي تنزل عليها الصواعق من كوة منيرة في السماء، بدت إشارة إلهية، حد أن (باي) يدعو النمر: تعال وانظر إلى عظمة الله.
المخرج آنغ لي بدا يدير العناصر السينمائية في تمكن بالغ، عدا تلك الوسيلة المملة التي استخدمها في سرد حكاية الفيلم عبر حديث لبطله (باي) وهو رجل ناضج، مع صحافي سيتولى كتابة حكاية وصوله ناجيا.