كنّا نتناقش انا وبعض الأصدقاء حول التحولات والانقلابات التي يقوم بها بعض الفقهاء على اساسيات الأديان أو المذاهب التي يؤمنون بها دون أن يلتفت إليهم أحد، أو يعترض على تحولاتهم معترض، وتناولنا فيما تناولنا موضوع ولاية الفقيه باعتبارها مثالا من أمثلة هذا الانقلاب العقائدي، فمن الواضح أن المذهب الشيعي لم يعرف طوال تاريخه من يقول بجواز تولي غير المعصوم للقيادة السياسية، بل أن منشأ اختلافهم مع عامة المسلمين هو أنهم يعتبرون أن تولي غير المعصومين أمور الرعية باطل، ومن هنا فهم لا يعتقدون بشرعية حكومتي ابو بكر وعمر بن الخطاب، لأنهما ليسا معصومين، وأن الخلافة يجب أن تكون للمعصوم وهو علي بن أبي طالب، مع أن أكثرهم لا يرى مثلبة في الشيخين إلا سلبهم هذه الخلافة من مستحقيها. ومن هنا فقد جاءت فكرة ولاية الفقيه بمثابة انقلاب صريح على هذا الأساس الديني العقائدي الثابت، ولم تجد هذه الفكرة/ الأطروحة لها من سند فقهي سوى رواية واحدة ضعيفة، كما يؤكد ذوو الاختصاص.
المهم في هذا النقاش أن أحد الجلوس لفت النظر إلى نكتة مهمة، وهي أن رجل الدين الذي قال بولاية الفقيه كان ـ ودون أن يشعر ربما ـ قد سلب كامل الصلاحيات التي يعتقد الشيعة بأنها من مختصات الإمام المعصوم الغائب، وجعلها للفقيه، وهذا يعني إحلالاً ضمنياً للفقيه محل الإمام، ما يعني بالضرورة أن تبادلاً في الأدوار قد تم فرضه. وأن وكيلاً عن الإمام قد تم تعيينه دون الأخذ بنظر الاعتبار رأي الأصيل في الوكيل، بل الأكثر من ذلك غرابة هو أن هذا الفرض قد حصل من قبل فقيه واحد، فقيه واحد قرر بلحظة زمنية أن من حق الفقهاء أن يكونوا وكلاء عن الإمام المعصوم.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري يقول: إلى أي درجة يمكن تغيير ثوابت الشرائع والأديان، وإذا كان التغيير ممكناً لهذه الدرجة ومن داخل المؤسسة الدينية، فما هي مساحة الثابت في هذه الأديان، ولماذا يجوز لرجال الدين أن يغيروا في ثوابت الدين، ولا يجوز لعامة المسلمين أن يفعلوا، فتكون تغييرات الفقيه وانقلاباته شرعية ومقدسة، وتغييرات وانقلابات غيرهم خروجاً عن الملة؟.