تتغذى الطائفية من منبع واحد ، وان تعددت المذاهب، والتجربة الاخوانية في مصر قدمت نموذجاً للاحتذاء. الحكام الجدد لم يوفروا وسيلة لتشديد قبضتهم على الدولة، ولم يترددوا في سبيل ذلك باستخدام كل الوسائل والاساليب، بما في ذلك الحنث بالقسم وترويع المتظاهرين
تتغذى الطائفية من منبع واحد ، وان تعددت المذاهب، والتجربة الاخوانية في مصر قدمت نموذجاً للاحتذاء.
الحكام الجدد لم يوفروا وسيلة لتشديد قبضتهم على الدولة، ولم يترددوا في سبيل ذلك باستخدام كل الوسائل والاساليب، بما في ذلك الحنث بالقسم وترويع المتظاهرين السلميين والتحلل من الاتفاقات والعهود والالتزامات .
ومع ان اكثرية المسلمين في مصر هم من الطائفة السنية ، الا ان التعدد المذهبي يشكل تحدياً لهم على مدىً آتٍ ، و يفتح مجالاً للانكشاف عليهم من الخارج . وهذا التعدد يغري الطامعين ويجعل من المنابر السلفية والتجمعات السيااسلاموية المتطرفة بطابعها الوهابي الغالب، الى جانب الاخوان المسلمين ، حوامل للاحتقان والتنافس على التشدد وتهديد وحدة المجتمع المصري والسلم الاهلي فيه . لكن ما هو مهمٌ لنا في العراق وما يمكن ان ينعكس منه على تجربتنا ومصائر العالم العربي برمته ، المكانة الفريدة لمصر ودورها التقليدي ، والاهداف الكامنة للاخوان المسلمين واشقائهم السلفيين في التمدد خارج الحدود مدعومين بخزانة قطر و" الأيادي البيضاء " لدولٍ معنيةٍ برسم خطوط التماس الطائفية ، وهو ما يعني تحويل المنطقة الى ساحة صراعٍ غير متكافئ على حساب شعوبها ، والعراق في مثل هذه الحالة دولة مرشحة للمبارزة بالنيابة والاصالة .
ولدرء هذا الخطر ومواجهة تحدياته ومخاطره ، ليس في الامكان سوى تحصين الجبهة الداخلية وتكريس وحدة العراقيين وتصفية بؤر التوتر ونزع فتائل الازمات المتفاقمة . وهذه " إمكانية " وليست افتراضاً لا يستند الى وقائع وشواهد من التاريخ القريب . والخطوات التي ارتبطت ببناء العملية السياسية الديمقراطية على قاعدة التوافق الوطني والشراكة وكفالة الدستور بحماية حقوق وحريات المجتمع العراقي بكل مكوناته ودون تمييز ، مؤشرات حية على هذه " الامكانية الكامنة " .
ان التصدع الذي فكك التوافقات بين قوى العملية السياسية واعاد خلق مناخات التوتر والتنافر والاحتقان الطائفي ، لم يكن في اساس ما حقق النجاحات الاولى في بناء العملية السياسية ، بل في التخلي عن ثوابتها والتجاوز على قيمها وخرق الدستور والتنصل عن الالتزامات الاخلاقية قبل السياسية . لقد ازداد احساس الشركاء دون استثناء ، بالخطر المتربص بالجميع ، من انحراف العملية السياسية نحو الانفراد والتسلط والتعدي على الحريات وما يرتبط بذلك من انتهاكات وفساد ذمةٍ ونهبٍ للمال العام ، مما يعرض البلاد الى انتكاسة لا مرد لها . ولا خلاص من هذا التحدي الذي شكل بيئة ملائمة لمن يشاء العبث بمصائر العراقيين ، سوى باعادة الامور الى نصابها الدستوري ، وتطبيق رزمة الاتفاقات والمواثيق المبرمة تحت قبة البرلمان وليس خارجه .
وفي غياب اي امكانية للقاء والحوار حول طاولة مستديرة ، في غياب رئيس الجمهورية ، تصبح قبة البرلمان هي المكان الانسب . فالاطراف كلها تتقاذف فيما بينها التهم والملامات . والقضايا العقدية التي استفحل حلها لا تحتاج الى مزيد من النقاش ، لان الطائفة الاكبر منها نوقشت وتم الاتفاق حولها والتوقيع على بنودها . والدستور الذي يجري التنابز حول خرقه ، كلاً من موقعه ، يمكن تطبيقه بالملموس على القضايا الخلافية ، ولن يحول دون ذلك كون العديد من مواده ومبادئه " حمال اوجه " .
ان الكتل والائتلافات والمجاميع البرلمانية ، لم يعد امامها سوى خيار البرلمان وقراراته الملزمة . ويمكن البدء بمعالجة ما هو واضح بدستوريته والزاميته بعيداً حتى عن الاتفاقيات المبرمة . فهل يمكن الاختلاف على ان الدستور قيّد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء والزمه بعدم التفرد ، وقد اناط الدستور الصلاحيات كلها بالمجلس ، وجعل من رئيسه منفذاً لها فحسب ؟.
وهل ان منصب القائد العام للقوات المسلحة ، هو مهمة بحد ذاته ، ام هو جزء مرتبط بمنصب رئيس مجلس الوزراء ، وهو ما يلزم وضعه تحت الشروط والضوابط المعمول بها في مجلس الوزراء ؟.
وفي هذا السياق يتوجب معالجة جميع القضايا الخلافية او الخروقات التي يتعرض لها الدستور . فيما يتعلق باستخدام الجيش خارج المهام التي حددها الدستور ، والتشكيلات التي استُحدثت خارج سياقاته وضوابطه .
كذلك الامر بالنسبة لظاهرة ما اصبح معروفاً " بالواو واو " التي تنخر جسد الدولة بموظفي الدرجات الخاصة والقيادات العسكرية والامنية والمخابراتية دون استيفاء موافقة البرلمان ولسنوات عديدة دون اي مسوغٍ قانوني .ويحتاج المجلس وهو يتصدى للخروقات الدستورية الخاصة بالتعامل مع تسيير الجيش والقوات المسلحة ان ينتبه الى ضرورة الغاء قوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة التي يعتمدها المالكي في هذا المجال ومجالات اخرى لا نص دستوريا يعالجها. وامام البرلمان مظاهر انتهاك الحريات العامة والخاصة ، والزركات الخارجة عن القانون للقوات الأمنية المرتبطة بمكتب القائد العام على المنتديات والبيوت الثقافية ومحلات المواطنين المسيحيين والصابئة، كما الحال مع ما جرى من انتهاكات بحق المتظاهرين في ساحة التحرير والاعتقالات الكيفية لهم وتعذيبهم مطلع العام 2011 .
ويستطيع البرلمان، عوضاً عن المطالبة بالغاء المساءلة والعدالة تنفيذها بحق البعثيين من المحيطين برئيس " دولة القانون " وكذلك الامر بالنسبة للمادة ٤ ارهاب .
ان تفاقم الازمات واعادة انتاجها ، ارهق كاهل المواطنين ، ومن شأن استمرارها ، تحول اوساط واسعة منهم الى خيارات خارج الانشداد الى ما وعدتهم به العملية الديمقراطية ، وقد يشكل هذا التحول مساحة سلبية اخرى من اللامبالاة ازاء ما يتهدد البلاد من تحديات " التفكك والاحتقان " خلافاً لما يحلو للبعض من تسميته بـ " التآمر".
ان التشكيك باحتمال عودة من " ضللتهم " المطامع السلطوية وامتيازاتها الى جادة الصواب والحكمة ، والعمل في اطار ما انطلقت منه العملية الديمقراطية ، لا يبرر التوقف عن بذل المزيد من الجهود ، في اطار الاستحقاقات البرلمانية الدستورية . والنجاح في هذا الاتجاه يتطلب طرح ما هو مشترك وناضج للحل ، وتجنب كل ما قد يؤدي الى التشنج وتصعيد التنافر الطائفي ، والاهم من ذلك كله ، صد كل المحاولات التي تستهدف التسلل الى التحركات الاحتجاجية وشعاراتها واعلامها ومواقفها . فليس اكثر اساءة لاي احتجاج او مطالبة عادلة او حراكٍ شعبي ، من السماح برفع اعلام البعث او صور رموزه او اللافتات التي تعيد الاعتبار له ، او التلويح بالشعارات واللافتات الطائفية والمذهبية ، والمطالبات التي تصب لصالح استقوائهما ، كما هو الحال بالنسبة لالغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة ٤ ارهاب . ان الاحتكام الى العدالة والقانون ضمانة اكيدة للجميع اذا توفرت لها الكفالة بنزاهة التطبيق والمساواة بالتعامل . وما نحن فيه من وضع تتعرض فيه الحريات والحقوق الى الانتهاكات ، تتطلب التمسك بالقوانين التي تحمي المواطنين من الارهاب وغمط الحقوق بالاضافة الى قانون المساءلة والعدالة.
وقانون " ٤ ارهاب" لا ينحصر بمن يفخخون امن ابناء شعبنا واستقرار احوالهم او الانتحاريين الملاعين منهم ، بل هو يشمل ايضا المتواطئين معهم من المتنفذين والمتجاوزين على الحرمات والحريات والحقوق، ولا بد ان يحين اوان ملاحقتهم به .
لقد ادت السياسات الهوجاء السائدة الى التفريط بالوحدة الوطنية ، والتلويح بالمواجهة على الهوية من خلال التصريحات التي توحي بالاستقواء بالاكثرية على الاخرين ، تارة باثارة حرب قومية عربية كردية ، واخرى بالتطويق المذهبي، كما تشير الى ذلك المظاهرات في الجنوب التي حركتها اطراف من دولة القانون لصالح تبييض صفحة رئيسها، المسبب لكل التدهور الذي تشهده البلاد، الى جانب تصريحات محافظين ومسؤولين من حزبه والموالين له تتهدد الكرد والاخرين بقطع الاموال عنهم اذا واصلوا ما هم عليه من معارضة، وكأن الدولة العراقية ملكية لآبائهم واجدادهم ، وليست دولة العراقيين جميعا وخزائنها حقاً متساوياً لهم . ان ظاهرة تقليد " القائد الضرورة " او مختار العصر" اخذت طريقها للاتباع والاعوان، فالمالكي يهدد بالضرب بيد من حديد ، ويتوعد بأوخم العواقب على المخالفين ، ويشجع الجيش والشرطة والامن على التصدي للمتظاهرين " تحت مسمى المخالفين للقانون" دون خوف لانه حاميهم. وسرعان ما يتسابق الموالون من المسؤولين بنحت مفردات مشابهة تقربهم من الزعيم .!
لقد كان الاولى بـ " رئيس الدولة " كما يحلو له ان يسمى الان ، ان يطالب بالتهدئة وبالدعوة لتجنب تجييش المظاهرات المضادة ، بما تحمله من شعارات طائفية معاكسة ، وبالاعلان عن خطوات ملموسة تعيد النظر بالقرارات والممارسات التي كانت السبب وراء الاحتقانات والازمات العاصفة ، ويلتزم امام الرأي العام بالتخلي عن نزعاته الانفرادية والتسلطية والكف عن سياسة الاقصاء والتهميش والاستقواء باجهزة السلطة واموالها في محاصرة المخالفين والكيد لهم . كان عليه ان يبادر باعلان تطبيقه لاتفاقية اربيل وجميع الالتزامات الاخرى دون حاجة لاجتماع او حوار. وبهذا يكون قد ابطل دعاوى معارضيه واتهامهم له بالدكتاتورية والمغامرة بمصالح البلاد.
وللمقارنة لابد من الاشارة والاشادة بالموقف الرشيد لمرجعية النجف التي حذرت المالكي عبر مكتب اية الله العظمى بشير النجفي من استغلال مناسبة مقدسة في النجف الاشرف، لتنظيم مسيرات تؤيد رئيس مجلس الوزراء ضد خصومه، وهذا الموقف ليس بغريب على حكمة النجف ومرجعيتها التي ظلت طيلة اعوام تحذر من النتائج الوخيمة لاخطاء الحكومة والبرلمان على حد سواء.
واذا كانت اشارة المرجع النجفي هي الاكثر صراحة حتى الان في معارضة سلوك المالكي، فإننا نأمل ان تكون مواقف كل مراكز القوى في المجتمع، دينية ومدنية، بمستوى التحدي الرهيب الذي يمكن ان يفتح ابواب البلاد امام تدخلات المتطرفين، او شهوات استبداد المتشبثين بـ"الكراسي الهزازة".
جميع التعليقات 6
ابونور
تحياتي لك استاذ فخري. انا شخصياً لست من المدافعين عن المالكي ولا غيره ومن البداية استنتجت ان هذه الضجة المفتعلة هي من فعل السياسيين (الشيعة والسنة)لغرض الحصول على الاصوات في الانتخابات القادمة ولكن كنت اتمنى من شخصك الكريم وانا اعلم بنزاهة قلمك ووطنيتك و
هرمز كوهاري
ككل الدكتاتوريين لا يحتاجون ولا يعترفون بالقيم والنصائح لانهم يعرفون ويحرفون ،وكل ما يهمهم البقاء على الكرسي اطول مدة ممكنة مهما كان الثمن حتى حياتهم . كل دكتاتوري لابد انه مرتكب جرائم في حياته ثمنا لبقائه في السلطة فنزوله من السلطة يعني نهايته،فهو يق
محمد علي محيي الدين
مقالاتك الرائعة سهام موجعة لدعاة الدكتاتورية والمتسلطين على رقاب الشعب والمالكي الذي يرقص على تناقظات الاخرين يحتاج الى وقفة موحدة من شركائه في العملية السياسية لايقافه عند حده أو اقالته والاتيان بغيره والمالكي منذ تقلده لرئاسة الوزراء زج البلاد في أتون م
ابونور
تحياتي لك استاذ فخري. انا شخصياً لست من المدافعين عن المالكي ولا غيره ومن البداية استنتجت ان هذه الضجة المفتعلة هي من فعل السياسيين (الشيعة والسنة)لغرض الحصول على الاصوات في الانتخابات القادمة ولكن كنت اتمنى من شخصك الكريم وانا اعلم بنزاهة قلمك ووطنيتك و
هرمز كوهاري
ككل الدكتاتوريين لا يحتاجون ولا يعترفون بالقيم والنصائح لانهم يعرفون ويحرفون ،وكل ما يهمهم البقاء على الكرسي اطول مدة ممكنة مهما كان الثمن حتى حياتهم . كل دكتاتوري لابد انه مرتكب جرائم في حياته ثمنا لبقائه في السلطة فنزوله من السلطة يعني نهايته،فهو يق
محمد علي محيي الدين
مقالاتك الرائعة سهام موجعة لدعاة الدكتاتورية والمتسلطين على رقاب الشعب والمالكي الذي يرقص على تناقظات الاخرين يحتاج الى وقفة موحدة من شركائه في العملية السياسية لايقافه عند حده أو اقالته والاتيان بغيره والمالكي منذ تقلده لرئاسة الوزراء زج البلاد في أتون م