TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق الذي في ضمائرهم

العراق الذي في ضمائرهم

نشر في: 9 يناير, 2013: 08:00 م

أخطر ما ابتلي به العراق ان تولى امره  وتحدث باسمه من لا يعرف قدره ومكانته  ..بالامس كنت انظر الى وجوه مجموعة من الجالسين في احدى المقاهي القريبة من الصحيفة .. شباب وشيوخ ، وفي وسط المشهد امرأة في منتصف العمر تنظر بقلق الى شاشة التلفزيون  ، كانت المناسبة لعبة كرة القدم التي جمعت المنتخب العراقي بمنتخب الكويت.

كنت انظر الى وجه المرأة  ، وانا اقول لصديق متحديا ان يجد سياسيا يحب العراق مثل هذه المرأة  ، التي قالت انها لم تستطع صبرا حتى تصل البيت لتتابع اولادها حسب قولها  ، فاجبرت ابنها ان  تجلس في المقهى  لترى ابناءها وهم يرفعون اسم العراق على حد قولها .. حين تحدثت المرأة ران الصمت على المقهى  وكأن الجميع يتعبد في محراب الكلمات .. لمعت العيون بدمع واحد ، لافرق بين ماتراه في عيني شاب يسكن مدينة الصدر ،  وعيني رجل جاء من الموصل .

الجميع يتنفسون نفسا واحدا مع تصاعد وتيرة المباراة ، وكأنهم في مهمة وطنية يستمعون الى معزوفة  " ياموطني "  فتلمع عيونهم بالشجن .. حتى يُخيل للناظر اليهم انهم يكتشفون معنى المواطنة للمرة الاولى  ، او يكتشفون العراق الكبير الذي يريد له زعماء الطوائف ان يظل  تحت ركام الفساد والانتهازية والطائفية المقيتة والمعارك السياسية السيئة السمعة. 

تستمع الى تعليقات  المتابعين للمباراة  وهم يرددون كلمات التشجيع لاعضاء المنتخب  بخشوع، فتشعر معهم  ان الجميع يستحضر ذكريات سنوات جميلة وسعيدة من حياته ، أو لعلها اشبه  بنوبة حنين إلى العراق  كما ينبغي له أن يكون، كبيرا ، فتيا ، شامخا ، مرفوع الجبين ، متدفقا شبابا وحيوية ، ، لا يتحسس الضربات التي نالت منه  ، ولا ينشغل بالنظر في المرآة طويلا ذعرا من تجاعيد الزمن وقسوة السنين، والاعيب صبيان السياسة.

وانا انظر الى وجوه المتابعين للمباراة والتي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية .. وجوه تعيد اكتشاف  جوهر هذا الشعب .. وجدت نفسي امام مواطنين بسطاء يريدون ان ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية،  ولعل  أجمل ما في وجوه المتابعين للمباراة أنها أثبتت أننا شعب لم يتفسخ بعد، رغم سياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم التي مورست خلال السنوات الماضية، شعب لم يفسد رغم محاولات البعض بإفساد مناخ الالفة فيه  وزرع قيم الطائفية فيها، وبث الفرقة بين أبنائه، وسياسة التخويف والقتل على الهوية، دهشتني وأفرحتني هذه الاستعادة المبهجة لأصالة ووطنية الشخصية العراقية في لحظة تصور البعض أن أحزاب الطوائف استطاعت أن تحرق مساحات الفرح والخضرة فيها ، وهل هناك وطنية اكبر وانضج من الموقف الذي اتخذنه هذه المرأة التي  لا نعرف الى اي طائفة تنتمي، حين وقفت  تهتف بصوت عال وهي ترى احد ابنائها كما سمتهم، يسجل هدفا في مرمى الكويت لم تسأل إلى اي طائفة ينتمي، وفي اي محافظة يسكن اهله واقاربه ففي عتمة الانتهازية السياسية وألاعيب القرقوزات لتشويه صورة هذا الشعب ، ووسط غبار كثيف لإلهاء الناس في الهم اليومي، بحثا عن الخبز والأمان وفى ظل مخطط شديد لتسفيه المتظاهرين ووصفهم بالعمالة،  نجد اناسا بسطاء يتحدثون عن الضمير فنشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجههم ، لا فرق بين مسلم ومسيحي، بين سني وشيعي، كردي وعربي بين من يقرأ الجريدة ومن يستخدم الفيسبوك، بين عامل وعاطل، بين المرأة والرجل، الجميع انصهر في بوتقة واحدة اسمها العراق، هذا الشعب قفز فوق أحزابه الكرتونية، وسياسييه المتعجرفين.

من ينظر الى وجوه متابعي المباراة سيكتشف ان كل دعاوى  وادعاءات أن المناوئين للحكومة يتآمرون على العراق، وانهم ينفذون اجندات خارجية  على العراق مجرد نكتة سخيفة، تلوكها ألسنة صغار الساسة من هنا وهناك، من اجل اعلاء مناخ الطائفية الذي يغوي كل من يجد في نفسه ميول زعامة سهلة ومريحة وكاذبة.

ياجنرالات الطائفية انتم مهزومون حتما .. ستهزمكم دموع الفرح التي سكبتها هذه المرأة وهي تهتف باسم العراق .. سيهزمكم عراق واحدا يدافع عن نفسه ضد ارهابكم ، ويرفض أبناؤه ان يختبئوا خلف طوائفهم. 

في الانبار وفي ميسان، كما في النجف واربيل وصلاح الدين والبصرة، كان هناك صوت واحد لعراقيين حقيقيين يحملون هذا الوطن في ضمائرهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram