الشعب العراقي بين أكثر شعوب الأرض بؤسا. وبؤس العراقي لم يكن وليد الساعة بل هو معتق منذ مئات السنين باستثناء فترات قصيرة محدودة. والبؤس يترسب قتامة بين غضون بشرة الوجه عند العراقي يطفئ البريق في العيون ويشيب له شعر الرأس. العراقيون متشابهون في ملامحه
الشعب العراقي بين أكثر شعوب الأرض بؤسا. وبؤس العراقي لم يكن وليد الساعة بل هو معتق منذ مئات السنين باستثناء فترات قصيرة محدودة. والبؤس يترسب قتامة بين غضون بشرة الوجه عند العراقي يطفئ البريق في العيون ويشيب له شعر الرأس.
العراقيون متشابهون في ملامحهم العامة ويستطيع أي فرد تمييزهم من بين جميع الاقوام. وحتى ميسور الحال منهم يشبه الفقراء في كل شيء ولا يكاد يعلو عن بؤسهم على الرغم من امتلاكه اجنحة المادة ولكنه لا يستطيع التحليق بعيدا عن مدارات واقعه المخرب.. البؤس علّة نفسية تنعكس في ملامح الإنسان المشوهة وفي خطاه المرتبكة. والبائس هو اقل الموجودات ارتباطا بواقعه وفي الفضاء المحيط به. هو مشلول الإرادة لا ينتمي الى زمن معين فهو منفصل عن الماضي ومتغرب عن الحاضر، أما المستقبل فيشكل كابوسا ثقيلا يجثم على الدوام فوق انفاسه. البائس منقطع عن مجتمعه يشعر بالوحدة، والآخرون شركاؤه في المجتمع لا يراهم ولا يرونه، والكل يعيش لحاله ويخوض في مستنقع اللاجدوى الذي وجدوا أنفسهم فيه.
ليس الفقر بوصلة البؤس الوحيدة فالكثير من المجتمعات فقيرة بمدخولاتها المادية ولكن أبناءها ليسوا بائسين وهم متواصلون مع الماضي ومندمجون مع الحاضر ويتطلعون الى المستقبل، يبصرون أنفسهم والآخرين. الأمل يبرق في عيونهم وكلهم يقين بأنهم فاعلون في المجتمع وقادرون على تغيير الواقع ورسم ملامح مستقبل مضيء. العراقي هوية باهتة وبوستر لمن ضيع وطنه الى الأبد في البلدان الأجنبية وفي إعلانات الامم المتحدة، والمدن التي يعيش فيها العراقي هي أسوأ امكنة العيش. العراقي لم يذق طعم الحرية رغم أن الجميع يتشدق بأنهم جاءوا محررين الى هذا البلد. هو مسلوب المشاعر، ويعيش تحت رحمة سلطة المؤسسة الدينية ونواميس العشيرة ويُزرق على الدوام بأفيون الاوهام والخرافات. لا قرار له في ادارة شؤون البلاد، وحتى صوته الذي يوضع في صناديق الانتخابات غالبا ما يسرق او يُزيف او يذهب دون وجه حق الى سياسيي الصدفة وأصحاب الشعارات المخدرة البراقة.
العراقي البائس يتلقى الصفعات أنى يدير وجهه. لقد تكالب عليه الدكتاتوريون والإرهابيون والفاسدون والمزورون والأميون الذين يديرون البلد دون ان يعرفوا الوجهة المبحرين إليها. إنهم يغرقوه في بحر قصورهم الفكري فمن أزمة قاتلة يخرجوه منها في آخر نفس يدخلوه ثانية في أزمة اشد وأقسى يمنحوه جرعة حياة قاصرة ليدخلوه في ثالثة مظلمة، والبلد دائر في دولاب من الضياع والدم والخراب والفوضى وسرقة المال العام، والخاسر الوحيد في دورة اللاحياة واللاموت هذه هو المواطن الذي وضع السياسيون على صدره نياشين كاذبة مقايضة لحياة أهدروها بجنونهم ومكرهم السياسي. البائس يردد على الدوام لازمة واحدة ان لا شيء سيتغير لان جلاده ماثل امام عينيه على الدوام ولا امل في تغييره. هذا الجلاد الدكتاتور استحوذ على كل شيء ولم يبق لأحد شيئا، وحين يُسأل الدكتاتور: هل سترحل يوما ما، فانه يقول: لن أعطيها لأحد من بعدي. عراقي تائه لان من حكموه ويحكمونه قساة قلوب مهووسون بامجاد زائفة لا يضعون نصب اعينهم سوى أحلامهم المريضة. لقد ضيعوا العراق في جولة قمار خاسرة وبقي العراقي واقفا على ارض رخوة ينهشه البؤس ويرسم له ملامح مفارقة عن كل البشر.