اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > شط العرب.. مكبٌ للسفن الغارقة وسموم مصفى عبادان

شط العرب.. مكبٌ للسفن الغارقة وسموم مصفى عبادان

نشر في: 11 يناير, 2013: 08:00 م

بعيداً عن الحديث في الجانبين السياسي والاقتصادي لهذا النهر الكبير، فهو يشكل ذاكرة مهمة لدى العراقيين والبصريين بشكل  خاص في الجانبين الاجتماعي والجمالي، وزادت أهميته السياحية بعد افتتاح شارع الكورنيش في الثلاثينيات من القرن الماضي .تحول شط العرب

بعيداً عن الحديث في الجانبين السياسي والاقتصادي لهذا النهر الكبير، فهو يشكل ذاكرة مهمة لدى العراقيين والبصريين بشكل  خاص في الجانبين الاجتماعي والجمالي، وزادت أهميته السياحية بعد افتتاح شارع الكورنيش في الثلاثينيات من القرن الماضي .تحول شط العرب إلى مكان للنزهة والاستجمام بالجلوس على ضفته من جانب شارع الكورنيش، حيث رسو وحركة السفن والمراكب المتجهة والخارجة من ميناء المعقل، وحيث رسو المراكب الخشبية (اللنجات ) الآتية من الهند والبحر العربي والخليج العربي ، لتزيده جمالا وسحرا.

التنومة وأبو الخصيب

شط العرب ينبع من التقاء نهري دجلة والفرات، حيث يلتقي النهران في منطقة "كرمة علي" المدخل الشمالي لمدينة البصرة، في حين كانا يلتقيان في مدينة القرنة على بعد 375 كم جنوب بغداد. ويبلغ طوله حوالي 190 كم، ويصب في الخليج العربي عند طرف مدينة الفاو، التي تعتبر أقصى نقطة في جنوب

العراق ويصل عرضه في بعض مناطقه إلى 2 كيلو متر، أما بالنسبة لضفافه فكلها مزروعة بالنخيل وهناك مدينة جميلة تقع على ضفاف شط العرب تسمى التنومة حيث تكثر فيها بساتين النخيل وتم بناء جامعة البصرة فيها لما تتمع به من مناظر خلابة وطبيعة ساحرة ،و يستمر الشط في جريانه حتى يمر بقضاء ابي الخصيب وهي منطقة عامرة بأشجار النخيل لأنها منطقة ريفية.

 

كولسترول الأطيان والملوثات !!

الخبير البحري الكابتن كاظم فنجان بيّن للمدى: ان الجميع لم يتوقعوا أن تكون نهاية شط العرب بهذه الصورة المأساوية وتؤول الى هذا الحد من الإهمال، موضحا بان إنقاذ الشط بحاجة إلى جهود ضخمة جدا لاعادة الحياة له والخروج به من أزماته، وتقديم المساعدة له في ردهة العناية المركزة التي يرقد فيها منذ عام 1980، فقد سُدت شرايينه بكولسترول الأطيان التي سببتها له ظاهرة الترسيب والإرساب، وتضخم كبده من تراكمات سموم مصفى عبادان، وتمزقت أحشاؤه ببقايا أشلاء السفن الغارقة

التي تكدست في جوفه، وتساقطت أشجاره التي كانت تتباهى بغابات عمتنا النخلة، وعبثت ببساتينه الخنازير البرية الهائجة، وتعطلت مراكبه المخصصة لصيد الأسماك، وغمرت جداوله المياه المالحة، فامتلأت مثانته بالملوثات والنفايات، وهكذا فَقَدَ حيويته، وخسر نضارته، وتدهورت صحته، وساءت أحواله، وبدت عليه علامات العجز والشيخوخة.

ويضيف فنجان: فلو تخيلنا أن للعراق جسما كجسم الإنسان؛ برأسه وأطرافه وقلبه وانفه، فان شط العرب سيكون مثانته الممتلئة بكل الفضلات والملوثات والسوائل والمواد القذرة التي حملتها مياه دجلة والفرات والكارون. فمعظم المحافظات العراقية والسورية والإيرانية. إن لم تكن كلها تلقي بفضلاتها في هذه الأنهار. فتحملها التيارات المائية نحو الجنوب. وتتجمع في شط

العرب. لا سيما أن جميع مجاري وأنابيب الصرف الصحي، بكل محتوياتها الثقيلة والخفيفة، مسلطة منذ أمد بعيد باتجاه شط العرب. باعتباره المستودع الرئيسي لتجميع وتصريف كل المياه الملوثة الواردة إليه من المدن العراقية، وغير العراقية.

 

مستودع لنفايات المستشفيات

فهو إذاً المثانة الرئيسية لثلاث دول، ناهيك عن مياه البزل للحقول

الزراعية، وما تجرفه معها من أملاح ومواد كيماوية... ومياه الأمطار، وما تجرفه معها من أوساخ وقاذورات الشوارع والمدن، فضلا عن النواتج العرضية التي تقذفها المعامل من نفايات صناعية. وما تقذفه المستشفيات من نفايات طبية ضارة.. والحصيلة النهائية هي مجموعة من التراكيب السمية القاتلة الشديدة التعقيد..

ويواصل فنجان بالقول: لو اطلعت على تفرعات شط العرب كنهر العشار، والرباط ، والخندق، وشط الترك، لوليت منها فرارا، ولمُلئت منها رعبا.. فهذه التفرعات تعج اليوم بالقناني البلاستيكية، وأكياس النايلون، والعلب المعدنية الفارغة، وجثث الحيوانات النافقة، والصفائح المعدنية الممزقة، وإطارات عجلات السيارات، والوحل الأسود.. أما ألوانها فتتغير بتغير المواسم تبعا لغلبة المستعمرات الجرثومية. وسيطرتها على بقية المستعمرات

الكامنة في جوف النهر. فتارة ترى المياه صفراء، وتارة أخرى تراها وردية.

وأحيانا تراها بنفسجية، تمشيا مع اللون السائد للجراثيم المتنامية في كنف الظروف التي وفرتها لها البيئة الفاسدة. ولو أخذت قطرة صغيرة من مياه تلك التفرعات النهرية وفحصتها تحت المجهر، لرأيت العجب العجاب من أشكال وأنواع المكروبات والطفيليات، والكائنات المجهرية التي لم تسجل لحد الآن، في سجلات التصنيف البيولوجي العالمي. ولا يمكنك أن تتكهن بالأمراض الفتاكة التي تخبئها لنا..

 

الشط في ذاكرة البصريين !

ويقول عبد المنعم الديراوي رئيس تحرير جريدة حملت اسم (شط العرب): بين شجيرات شمال البصرة الباسقات ولدت، لم يكن حينها ما نعانيه الان من الكهرباء الوطنية، المولدة، إسالة الماء.. وحتى المجاري) ففي الريف آنذاك هذه المسميات غريبة علينا ، تعلمت السباحة في الأنهر المتفرعة من شط العرب ، وعندما قوي عودي سمح لي بالسباحة فيه . لأنه يمثل خطرا آنذاك على الاطفال عندما يسبحون فيه لعمقه وسرعة جريان مياهه أثناء المد والجزر

، ومن على تلة ترابية تقع على ضفاف شط العرب كنت أتأمل السفن الشراعية والزوارق التي تنقل البضائع بين بغداد والبصرة .

ويضيف الديراوي : وعندما انتقلت عائلتي في ستينيات القرن الماضي الى مركز مدينة البصرة لم ابتعد عنه لأني كنت استمتع كثيرا عندما أسير على ضفافه قبالة كورنيشه الجميل، وهنا بدأت أتأمل شيئا آخر وهو السفن العملاقة التي تمخر فيه باتجاه ميناء المعقل، وأحسست بعظمته لأنه يربطنا بالعالم الخارجي .

قصر الشيخ خزعل

الدكتور أنور جاسب شنته، في مركز دراسات البصرة قال: بالاضافة الى كون شط العرب هو المنفذ الملاحي كقناة مائية تصل من خلالها السفن التجارية الى ميناء المعقل في السابق والى الأرصفة المتعددة الواقعة عليه من التقاء نهري دجلة والفرات وتكوين شط العرب وصولا الى البحر.. البساتين وقرى النخيل ومكابس التمور وقصور الأعيان على امتداده، مثل قصر الشيخ خزعل وغيره، ومقار الشركات الكبرى وغيرها من المعالم العديدة الواقعة على ضفافه حيث تتميز كل منطقة على ضفافه بخصوصية معينة.. مطار البصرة السابق وفندق شط العرب من الأماكن السياحية التي كانت معلما معروفا في البصرة وكورنيش العشار الواقع على ضفافه.. والمقاهي والمطاعم والنوادي التي كانت

لها سمة مميزة تمنح شط العرب خصوصية لجميلة لكل قادم الى البصرة والجولات النهرية فيه.. وبساتين أبي الخصيب الواقعة عليه والقرى الممتدة على ضفافه.. وقوارب صيد السمك.. والمهن المرتبطة بالتجارة القادمة والخارجة من شط العرب، سوق الحبال، سوق الهنود مكابس التمور، تجارة الأخشاب، تجارة الحبوب.

روح البصرة وعنفوانها

من الممكن أن نسمي شط العرب بروح البصرة.. لذلك عند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية.. وجدنا البصرة تفقد روحها لخبو دور شط العرب.. هو انعكاس لبيئة المدينة بل هو روحها نعم هو روحها..

الاعلامي سلام الفياض قال : كوني من مواليد السبعينات ذكرياتي تكتمل في عقد الثمانينات استذكارها فان شط العرب يقترن مع اجواء افراحنا  والاعياد التي كنا نعيشها، حيث كانت سينما الوطن والاطلس في شارع الوطن تحتضننا في ذلك الوقت بمناسبات الاعياد وكأن هنالك توقيتا يعقب نزهتنا هي الجولة في شط

العرب واستنشاق هواء الطبيعة النقي على ضفافه فضلا عن ان السباحة فيه جزء من طقوس ممارستنا للنزهة، ما زلت استذكر نهر العشار الذي يغذيه شط العرب.

ثلة من الشباب وقتذاك يسبحون فيه لصفاء مياهه وعذوبته، لكن الذاكرة تؤلمنا اليوم إذا ما قارناها باليوم الذي تظهر فيه صورة نهر العشار مشوهة من خلال الروائح الكريهة بسبب مجرى المياه الثقيلة التي تصب فيه، فضلا عن شكله الذي اصبح مكبا للنفايات.

مركز فرق الغناء

طارف صالح، إعلامي قال: شط العرب يعيش إهمالا يدمي القلوب قبل العيون، لشط العرب ذكريات جميلة عند أهل البصرة فقد كان ملتقى لكل العوائل البصرية ولكل الأحباب، حسب ما سمعنا عنه من كبار السن بان شط العرب كان يعج بالسفرات وكانت أروع الأغاني على ضفافه من قبل الفرق الشعبية عكس ما نراه في وقتنا الحاضر، صحيح هناك حركة سياحية على ضفافه لكنها تعاني الإهمال من قبل رواده وأصحاب المواقع السياحية أتمنى أن تكون هناك التفاتة لهذا النهر المهم بتاريخ كل بصري وكل عراقي.

عامر الربيعي موظف في المحافظة يتذكر الشط في بداية  الثمانينات حيث رائحة البارود فيقول : في عام 1980 منذ حرب الثمان سنوات ، بدأ هذا النهر يفقد جماليته وخصوصيته ، ولم ينل من التطور شيئا حقيقيا يذكر، أزيلت ملامحه عام 1989 لتحل محلها تماثل لضباط في الجيش العراقي ، وفي التسعينيات وحتى الآن أصابه التلوث البيئي الذي قتل الحياة المائية فيه وفي أنهره الفرعية ، كنهر العشار والخندق وغيرهما، في البداية كان التلوث بسبب رمي مخلفات النفط الأسود من قبل البواخر التي كانت تهرب النفط الى الخليج، دون رقابة ومحاسبة حقيقية من قبل الجهات المختصة، وزاد هذا التلوث بعد فتح مجاري المياه الثقيلة للمدينة على الأنهر الفرعية له.

زيادة نسبة الملوحة

وخلال السنوات الأخيرة ساهمت دول الجوار في إضعافه من خلال طريقتين؛ تقليل نسب المياه الواردة له من خلال نهري دجلة والفرات المتكون من جراء التقائهما وكذلك زيادة نسبة الملوحة فيه بعد تصريف مياه البزل للجارة الإسلامية ( إيران ) ، ومجتمعةً هذه العوامل تسببت في تفاقم اللسان الملحي للبحر في مناطق متقدمة من شط العرب، لتتسبب في موت الزراعة تقريباً على ضفتي النهر وخاصة منطقة أبي الخصيب. العراقيون والبصريون ينتظرون المعالجات السريعة لإعادة الحياة إلى هذا النهر ، متى يا ترى؟

حبيب الربيعي يسكن على ضفاف النهر منذ سنوات يتذكر العبور بالطبكة العلامة الفارقة لهذا النهر  فيقول: ولكوني عملت في رئاسة الجامعة  التي تقع في منطقة التنومة كنت في كل صباح اطل على شط العرب وانظر إليه بتأمل . وقد كان يجلس الصيادون على ضفاف النهر لصيد السمك ، بينما كانت بعض النسوة من العوائل الفقيرة يغسلن الملابس أو الصحون في ماء النهر وخاصة عندما يرتفع منسوب الماء إلى الأعلى تحت تأثير ظاهرة المد والجزر المعروفة بها انهار البصرة لقربها من الخليج العربي.

مقاهي الطلبة

وبسبب ارتفاع حرارة الجو صيفا في البصرة ، كانت العوائل البصرية تخرج إلى المتنزهات والحدائق التي تنتشر على طول ضفاف كورنيش شط العرب، أجمل شوارع المدينة، حيث مياه الشط الزرقاء والأمواج المتلاطمة من حركة البواخر التجارية التي تجوب عباب النهر متجهة أو خارجة من ميناء المعقل التجاري حيث كانت حافات النهر غزيرة بالمقاهي التي كان يسكنها الطلبة للدراسة صباحاً ويرتادها العشاق مساء.

وكان بالإضافة للطبكة  في شط العرب الجميل ، يركب الناس الزوارق ذات المجاديف أو القوارب ذات المحركات للتنقل عبر النهر إلى الضفة الشرقية حيث ترقد مدينة التنومة المشهورة بغابات النخيل الزاهية وبساطة اهلها.

ونتيجة لحركة السفن المستمرة وكثرة الضباب كان تحدث دائما حوادث اصطدام الزوارق بالسفن مما يؤدي إلى غرق العديد من العابرين وهذه الحالة تتكرر على مدار السنة ، بالاضافة لعجلة العابرين في الطبكة، وكذلك السيارات الموجودة فيها فقد حدث أكثر من مرة عندما يسقط باب الطبكة ويؤدي لغرق الكثير.

كان شط العرب يكتظ باللنجات وهي عبارة عن سفن صغيرة يأتي بها الهنود ليتاجرون بالبخور والنومي الذي اشتهرت به البصرة (نومي بصرة) والبهارات ليبيعوها في سوق سمي باسمهم سوق الهنود بالعشار.

وايضاً كان أهالي الفاو وأبي الخصيب والمناطق المطلة على الشط يسوقون بضائعهم من الخضار والفواكه والتمور عن طريق بداية نهر العشار حيث كان هناك (العشر) وهو سوق جملة اعد لهذا الغرض. وبدا الشط منذ عقد الثمانينيات يفقد جماله يوما بعد آخر حتى تحول في السنوات الأخيرة إلى مكب لرمي الأوساخ ومجاري القاذورات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في دراجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram