في إطار سعيها لدور يتجاوز حجمها الجغرافي، ويتناسب مع قدراتها المالية، تبنّت إمارة قطر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، خصوصاً في طبعته العربية، وكان الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء وزير الخارجية عرّاب هذا التبني، الذي توجس منه بعض أفراد العائلة الحاكمة، خصوصاً ولي العهد الشيخ تميم، الذي تتحدث الأنباء أنه اليوم يدير المشهد السياسي القطري برمته، بعد تقليمه أظافر الشيخ حمد، كخطوة أولى يليها تغييرات حكومية كبيرة، ومنها دمج منصب رئاسة الوزراء مع ولاية العهد، وبما يعني إبعاد حمد نهائياً عن المشهد، مع تعيين الشيخ حمد بن ثامر، في منصب وزير الخارجية.
مؤشرات استبعاد حمد شديدة الوضوح، فقد غاب عن أي تغطية إعلامية بمناسبة العيد الوطني، في حين تصدرت صور ولي العهد جميع الصحف القطرية، التي أصدرت ملاحق خاصة بالمناسبة، كما أن غيابه عن قمة المنامة الخليجية، مؤشر آخر ينضاف إلى مجموعة المؤشرات على استبعاده السياسي، ومنها حذف التعريف به من موقع الديوان الأميري، وتغيير التعريف به من سمو الشيخ الى معالي الشيخ، ولعل الاتهامات المسندة إليه بدعم شبكة إرهابية، تم اعتقالها في السعودية والإمارات، بتهم تتعلق بتنفيذ عمليات تخريب، كانت واحداً من أسباب استبعاده، وهو مهندس سياسة أن قطر ند للسعودية، مستنداً في ذلك إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وليس بعيداً أن ظهوره الأخير، وهو يعلن دعم الحكومة الإخوانية في مصر، بخمسة مليارات دولار، سيكون آخر نشاطاته في هذا المضمار.
من الخطأ قصر الخلافات بين أعضاء الأسرة الحاكمة في قطر، على الموقف من التحالف مع الإخوان المسلمين، وتبنيهم مالياً، ففي الكواليس خلافات عميقة الجذور، تدور حول الأحقية في الحكم، ولعل أبرزها في الوقت الراهن، الخلاف بين مؤيدي الحاكم الحالي الشيخ حمد بن خليفة، ومؤيدي والده الذي أقصي عن الموقع بانقلاب قاده ابنه، وهو اليوم مريض في الدوحة، وممنوع من السفر للعلاج، ما يثير غضب أشقائه، ويدفعهم لتشكيل لوبي مناهض لتحالف " الحمدين " بن خليفه وبن جاسم، ومعروف أن معظم أعضاء هذا اللوبي يعيشون في المنفى، وخاصةً في بريطانيا، وهم بالتأكيد يسعون إلى إعادة "الحق" لصاحبه.
تغييب رئيس الوزراء القطري عن المشهد السياسي في بلاده، يثير قلق الإخوان المسلمين في المنطقة، نظراً لعلاقاته القوية بهم، ودعمه المالي لتنظيمهم، وتبنيه مشروع تجسير الفجوة بينهم وبين الإدارة الأميركية وتقديمه لهم في البيت الأبيض، خصوصاً وأنه ساهم بشكل فعال في دعم التجربة الإخوانية في تونس ومصر، إن من خلال المال، في وقت لاحق لانهيار نظامي مبارك وزين العابدين، أو من خلال فضائية الجزيرة التي كرّست كل جهدها وإمكاناتها، إبان التحركات الاحتجاجية ضد النظامين، ولا شك أن التجربة الإخوانية، في الاستحواذ على نتائج الثورتين الشعبيتين في مصر وتونس، تثير القلق في دوائر صنع القرار السعودية والإماراتيه.
حمد بن جاسم وإن كان سيغيب شخصياً عن المشهد، إلاّ أنه يترك الكثير من صنائعه في مواقع مهمة ومؤثرة، يستفيد مها تنظيم الإخوان المسلمين، ولعل أبرزهم حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس فضائية الجزيرة، وهو من أصدقاء الإخوان، وكانت له نشاطات واتصالات مع أقطابهم في أوروبا، وتحديداً مع التونسي راشد الغنوشي، وبهذا فإن خسارة الإخوان بغياب حمد، لن تكون كاملةً ومكتملة، خاصة في المرحلة الأولى وربما حتّى يستتب الأمر لولي عهد الامارة الشيخ تميم.
حمد والإخوان وقطر
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2013: 08:00 م