أتردّد كثيراً عندما أكتب في مناقشة القضايا الدينية، لسببين، الأول؛ أن أكثر القرّاء المتديّنين يتعاملون مع مثل هذه الكتابات من منطلقات عاطفية، معتقدين بأن نقد العقيدة ينطلق دائماً من عدم احترامها. لكن الكاتب الذي يحترم وعيه ورأيه، يجد نفسه ملزماً باحترام عقائد الآخرين، مع غض النظر عن اختلافه معها، وإلا كان متعالياً أجوف. أما السبب الثاني، فهو ردود أفعال من يشككون بأهليتك لمناقشة العقائد، وكأن هذه الأخيرة حكرٌ على نموذج آخر من البشر، لذلك يعاملون الرأي النقدي باستهجان ولسان حالهم يقول لصاحبه: هل حضرت الدرس جيداً قبل أن تتورط بشؤون "الكبار"؟ عند أمثال هذه الردود أريد أن أتوقف اليوم لأقول: العقيدة شأن عام، وهي فكرة مطروحة لتناول الناس "البسطاء"، وعليه يجب أن تكون بسيطة وغير معقدة، ومن هنا اتفق الفقهاء على عدم جواز التقليد في العقائد، لأن الإيمان شأن لا يمكن النيابة فيه.. لا يمكن لأحد أن ينوب عني في التفكير بما يجب أن أؤمن به. وإذا كان للفلاسفة والمتكلمين والفقهاء، وجهة نظر في مواضيع العقيدة -ومنها موضوع ولاية الفقيه عند المسلمين الشيعة- فهي وجهة نظر تخصهم وحدهم، لأن الله إذا كان معنياً بمحاسبة الناس على إيمانهم، فلن يقبل منهم أي إيمان مستعار، لأن العقيدة المستعارة نفاق محض.
في العمود السابق ناقشت موضوع ولاية الفقيه، وهو موضوع يتعلق بعقيدة الشيعة الخاصَّة بالشؤون السياسية. لكن أثار استغرابي اعتقاد البعض بأن هذه الفكرة لا يجوز مناقشتها إلا من قبل مختصين، أو من قبل من حفظ دروس هؤلاء المختصين بشكل جيد!! لكن ما فات هؤلاء أن الموضوع أبسط من ذلك بكثير؛ فالشيعة يعتقدون بأن سياسة أمور الناس الدنيوية يجب أن تكون من شؤون المعصوم، فهو الأعرف بمصالح الناس وغايات الرب، ومن هنا فقد رفضوا الإقرار بشرعية جميع الحكومات التي توالت منذ وفاة النبي باستثناء حكومة الإمام علي، بل اعتبروا جميع الخلفاء مغتصبين لحقوق الأئمة في القيادة. وهذه الفكرة تعتبر واحدة من أهم المرتكزات التي قامت عليها عقيدة العصمة.. إذن الموضوع بسيط ولا يحتاج لفلسفة. بعبارة أخرى: إن ولاية شؤون الناس أمر لازم للعصمة، وليس للاجتهاد حتى ننقلها للفقيه الجامع للشرائط. وهناك فرق كبير بين العصمة وبين الأهلية العقلية التي يوفرها الاجتهاد؛ فالمعصوم يعرف غايات الرب بطرق خاصة تميزه عن غيره بحسب عقائد الشيعة الإمامية. من هنا فقد عمل الفقيه ـالذي نقل القيادة الدنيوية من المعصومين إلى المجتهدين ـ على تحريف العقيدة، ربما دون أن يقصد، لكنه فعل، ومهما كانت مبرراته قوية فهي غير كافية لزحزحة العقائد، إذ العقائد، كما يعتقد المسلمون، ليست شأناً اجتهادياً حتى يتم إعادة النظر به، وإلا لجاز لفقيه أن يأتي في يوم ما ويعيد النظر بمختصات النبوة، ويناقش حق الفقيه في أن ينوب عن النبي بتلقي الوحي مثلاً.
نبوّة الفقيه
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 4
جواد
السيد سعدون المحترم/الا تعتقد ان الدخول بمثل هكذه مناقشات (ميته) مضيعة للوقت /ارجوك لا تدخل عقلك الناقد النشط بمناقشات ضبابية قرووسطية/مع الاحترام لمحبي البخور الهندي والطرب الديني الكلثومي
علي عريبي
سلام على الاستاذ سعدون تعليق ولاية الامور الدنيوية بل حتى الدينية على معرفة غاية الرب غير واضح جدا من ذوق الشريعة قولا وعملا وارتكازا
جواد
السيد سعدون المحترم/الا تعتقد ان الدخول بمثل هكذه مناقشات (ميته) مضيعة للوقت /ارجوك لا تدخل عقلك الناقد النشط بمناقشات ضبابية قرووسطية/مع الاحترام لمحبي البخور الهندي والطرب الديني الكلثومي
علي عريبي
سلام على الاستاذ سعدون تعليق ولاية الامور الدنيوية بل حتى الدينية على معرفة غاية الرب غير واضح جدا من ذوق الشريعة قولا وعملا وارتكازا