حتى لو لم يُطالب متظاهرو الأنبار ونينوى وصلاح الدين بإلغاء أو تجميد قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث سابقاً)، فأننا نعرف أن قضية هذا القانون واحدة من العُقد الأساسية للعملية السياسية، فعشرات الآلاف من العائلات في مختلف المحافظات، وبخاصة ذات الأغلبية السنية، احتفظت بعدائها التام للعملية السياسية بسبب هذا القانون وتطبيقاته، وان مئات بل آلاف من أفراد هذه العائلات انخرط في العمل الإرهابي انطلاقا من ذلك.
ما هي مشكلة هذا القانون؟
أحد أعضاء مجلس النواب من ائتلاف القوى الكردستانية قال منذ أيام كلمة مختصرة لخصّت المشكلة وغاصت في عمقها،: "قانون المُساءلة والعدالة سقط في التطبيق".
القانون في أساسه كان خاطئاً، فقد اختير له عنوان استفزازي للغاية :"اجتثاث البعث". صدام حسين عمل سنوات طويلة على اجتثاث معارضيه من الشيوعيين والقوميين، بمن فيهم بعثيون، والكردستانيين والإسلاميين، سنةً وشيعةً وبينهم حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي .. لم ينجح صدام، فالذين سعى إلى اجتثاثهم خلفوه في السلطة. والنظام الحالي فشل هو الآخر في اجتثاث حزب البعث، فما زالت البيانات الحكومية تتهم حزب البعث ليس فقط بتنفيذ عمليات تفجير إرهابية وإنما أيضاً بتنظيم التظاهرات. والأسبوع الماضي هلع كبار مسؤولي الدولة هلعاً لا نظير له بعد بث شريط لنائب صدام السابق، عزت الدوري، مع انه ينزوي في بلد بيننا وبينه صحارى وبحار.
المساءلة والعدالة هو التدبير الصحيح الذي كان يتعين العمل به منذ البداية، ولكن على الطريقة الجنوب أفريقية.
المشكلة إن الذين شرّعوا قانون اجتثاث البعث كانت بواعثهم انتقامية.. أرادوا الانتقام شر الانتقام من البعثيين كلهم مع أنهم يعرفون أن الأغلبية الساحقة من أعضاء حزب البعث وأنصاره كانوا مجبرين لا مخيّرين وان هذه الأغلبية لم ترتكب جرائم تستحق العقاب القاسي من قبيل القتل والاعتقال والإبعاد عن الوظيفة بدون راتب أو قطع الراتب التقاعدي أو مصادرة الأملاك الشخصية.
وفي التطبيق فأن القانون أخذ مجراه في حق الكثير من هؤلاء. كما أن التطبيق كان كيفياً ومزاجياً وانتقائياً، فالكثير من القياديين البعثيين، وبخاصة العسكريين والأمنيين، يتولون الآن وظائف ومناصب بعضها أعلى وأخطر مما كانت لهم في العهد السابق. ومع هؤلاء كان المعيار أنهم شيعة في الغالب وانهم ممن أبدوا الاستعداد لخدمة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة شخصياً ومن يحيط به.
تطبيق القانون على هذا النحو أشعر عشرات الآلاف من عائلات البعثيين السابقين بالحيف والتمييز وعدم العدالة والإنصاف، وهو كذلك في الواقع. القانون إما أن يُطبق على الجميع من دون تمييز وتفريق أو ألاّ يُطبق على أي احد.
ليس البعثيون السابقون الذي طُبق القانون في حقهم كانوا يتساءلون بحرقة عن أسباب التفريق والتمييز، وانما نحن أيضاً، ضحايا سياسات النظام السابق، نكتوي الآن إذ نرى من شاركوا في اضطهادنا وعوائلنا يتولون أمور البلد في هذا العهد أيضاً ويقوم بعضهم بالادوار القذرة نفسها التي كانت موكلة بهم سابقاً، في ما بدا انها مكافأة لهم على ما فعلوه بنا وبعائلاتنا.
لا بد من إعادة نظر جذرية في القانون وفي تطبيقاته خصوصاً، فهو لم يحقق المساءلة ولا العدالة.
لا مُساءلة ولا عدالة
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2013: 08:00 م