لماذا لا يريد البعض أن يتوقف الشحن الطائفي السقيم.. لماذا يصرون البعض على تحويل مناقشة القضايا الحقيقية المتعلقة بمستقبل البلاد واستقرارها إلى جدال سقيم حول إقصاء السنة ومظلومية الشيعة.. الجواب واضح لان إزالة الغبار الكثيف الذي يغطي حياتنا السياسية سوف يكشف للناس ان معركتهم الحقيقية هي مع السذاجة السياسية التي يراد لها أن تسود حياتنا.
لقد بات مؤكدا أن هناك من يصر على المضي في مشروعه الرامي إلى تهميش الآخرين واعتبارهم جزءا مريضا وغير صالح في العملية السياسية، ولذا يجب بتره كي تمضي المسيرة إلى الأمام دون أن تقف في طريقها أية معارضة سياسية، مهما كان شكلها وحجمها ولونها، اليوم الكثير من مقربي رئيس الوزراء منهمكون بإيجاد تسميات وتوصيفات لتظاهرات الأنبار والموصل.. فيما نراهم يهلّلون ويكبرون لتظاهرات أخرى خرجت في النجف وذي قار.. وكأن المتظاهرين في الأنبار مواطنون من الدرجة الثانية لا يحق لهم التظاهر ولا المطالبة بأي حقوق حتى ولو كانت مشروعة ويضمنها الدستور الذي صدعوا رؤوسنا به.
في هذا المكان انتقدت متظاهري الأنبار لأنهم رفعوا صور رافع العيساوي، وطالبتهم بالتخلي عن الأبطال الوهميين والمزيفين والتركيز على ان تكون احتجاجاتهم من اجل ان لا يستمر الخراب لهذا البلد، وان تكون كلمتهم واحدة: لا للفساد.. لا لتفشي الطائفية.. لا للمحسوبية والانتهازية واللصوصية التي أصبحت القاسم المشترك بين معظم المسؤولين والسياسيين.
ومن هذا المكان أطالب متظاهري البصرة وميسان والسماوة، باستبدال صور المالكي ولافتات مختار العصر الجديد، بشعارات تندد بالنظام السياسي الفاسد، وبالمحاصصة الطائفية ، وبتفشي الرشوة وإدانة سراق المال العام وغياب ابسط شروط الحياة الكريمة.. ومن هذا المكان اذكر أهالي البصرة وذي قار بأن المسؤولين الذين يهللون لتظاهراتكم اليوم، هم انفسهم الذين وصفوا تظاهرات العام الماضي بالعمالة وبأنها تنفذ أجندة أجنبية.. وهم انفسهم الذين اعطوا الأوامر بإطلاق الرصاص ضد المتظاهرين وضربهم بالعصي واعتقالهم.
علينا جميعا ان نصرخ بصوت واحد ونحذر ونقول ان تربية الوحش الطائفي سيدفع ثمنه العراقيون جميعا.
وإذا كنا ندين الشعارات الطائفية في تظاهرات الانبار، فالطبيعي أن ندين الشعارات الطائفية والحزبية التي رفعها متظاهرون في ذي قار او البصرة او ميسان.
من حق اهالي الانبار أن يتظاهروا ويعتصموا في أي مكان طالما كان ذلك سلميا وبالقانون، مثلما من حق غيرهم أن يتظاهروا في أي مكان يشاؤون طالما كانت تظاهراتهم تصب في اصلاح وتقويم العملية السياسية، فالمنطق والديمقراطية يحتمان علينا ألا نقيس بمقياسين، بمعنى ان نرحب بتظاهرات السماوة والديوانية، وندد ونشجب تظاهرات الموصل والانبار، وإذا كنا نرفض شعارات طائفية في الموصل، فعلينا ان نرفض رفع مؤيدي المالكي شعارات تستفز مكونات شريكة في هذا الوطن.
سيقول البعض إن كل كلام نظري وحالم، وقد يكون كذلك بالفعل، لكنه مطلوب.. الذين رفعوا اعلام الجيش السوري الحر او صور اردوغان ينبغي ان يدانوا.. وايضا الذين طالبوا المالكي بان يضرب متظاهري الانبار والاعظمية والموصل بيد من حديد يجب ان نقول لهم ان فعلكم هذا بمرتبة الجريمة المنظمة ضد امن واستقرار البلاد.
اليوم يحشد ائتلاف دولة القانون لتظاهرات يقولون انها مليونية لنصرة رئيس الوزراء .. واتمنى عليهم وهم يصدرون الاوامر للمدارس وللكليات لكي تشارك في هذه التظاهرات الوطنية كما اسموها، أتمنى أن يجيبوني على سؤال يحيرني، ألمْ يُصدر رئيس الوزراء أمرا بمنع التظاهرات في ساحة التحرير؟، وهل نسي انه نفسه صدع رؤوسنا بضرورة ان تنحصر التظاهرات في ملعبي الزوراء والشعب وكاد يذرف الدموع لان اصحاب المحال التجارية تضرروا بسبب تظاهرات شباط 2011، فهل تخضع قرارات الحكومة لمزاج المالكي؟ أم أن التظاهرات التي تطالب بالخدمات والاصلاح حرام، فيما التظاهرات التي تهتف للحكومة حلال، وهل لدى المقربين من المالكي مقياس يقيسون به درجة التظاهرات وأهميتها، فإن وجد أنها تندد بالحكومة قام بإلغائها، أو شتمها ومحاصرتها وان وجد إنها تسبح بحمد اولي الامر قام بتوفير المال والرجال وأيضا "باصات" الدولة في نقل المتظاهرين.
بنص الدستور فإن كل العراقيين أمام القانون سواء، بلا أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الوضع الاجتماعى، وكان من المفترض أن يكونوا كذلك أمام الضمير السياسي ، بحيث لا يتردد هذا الضمير ــ إن كان لا يزال سليماــ فى العمل على محاورة المحتجين والاستماع الى مطالبهم.
غير أن لعبة الطائفية أثبتت أن المفروض شيء والواقع شىء آخر، فقد تبين أن ضمير ساستنا يعمل بالقطعة، ويتحرك بالريموت كونترول ويمارس التمييز بين العراقيين على نحو مخجل.
حكومة تتظاهر.. حكومة تقمع
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2013: 08:00 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...