لأنصار رئيس الوزراء كل الحق في أن يخرجوا في تظاهرات تأييداً له ودعماً لمواقفه وسياساته التي يعتقدون أنها صحيحة وسليمة وناجحة، فالتظاهر السلمي حق مكفول في الدستور (المادة 38)، وهو جزء من حرية التعبير التي تُعد من الأركان الأساسية للنظام الديمقراطي.
ومن حق المتظاهرين المؤيدين للسيد المالكي أيضاً أن تؤمّن القوى الأمنية وصولهم إلى أماكن التظاهر بيسر، وأن توفر لهم الحماية منذ انطلاق تظاهراتهم حتى انتهائها، فهم في نهاية المطاف مواطنون عراقيون رغبوا في ممارسة حق لهم.
وأمس تمتّع أنصار المالكي بهذا الحق على أفضل ما يكون في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، فقد تأمّن نقلهم من ضواحي بغداد والمحافظات الأخرى في باصات مريحة، وتوفرت لهم في ساحة التحرير كل مستلزمات التجوّل الحر ورفع الشعارات المكتوبة على لافتات أو المنطلقة من الحناجر. وكان من الواضح أن قوات الأمن حرصت أشد الحرص على ألاّ تتعكر تظاهرات مؤيدي المالكي بأي شكل وصورة.
لكن ما دمنا في دولة تتبنى النظام الديمقراطي وتقودها كتلة سياسية تتخذ من "دولة القانون" اسما لها، فمن حقنا أن نسأل: لماذا فقط يتوفر مثل هذا الترف للمتظاهرين المؤيدين للسيد المالكي؟ لماذا توضع إمكانات الدولة التي هي دولة الجميع، الموالين والمعارضين، في خدمة المتظاهرين دعماً للمالكي فيما تتخلى هذه الدولة عن واجبها بتأمين حق الآخرين أيضاً في التظاهر السلمي؟
في 25 شباط 2011 وجهت حكومة السيد المالكي قطعات من القوات العسكرية للبطش على نحو سافر بالمتظاهرين السلميين في ساحة التحرير ببغداد وفي مدن عدة أخرى، حيث سقط عدد من القتلى والكثير من الجرحى، وجرى التنكيل ببعض المتظاهرين واعتقالهم بذرائع واهية. وسبق ذلك فرض منع التجوال للسيارات والدراجات في بغداد مرتين للحؤول دون وصول المتظاهرين إلى ساحة التحرير، لكن المتظاهرين تحدوا التعسف الحكومي وتظاهروا سلمياً على مدى أسابيع متتالية.
تلك التظاهرات انتهت بسبب استمرار التعسّف الحكومي ودخول البلطجية إلى الساحة. ويومها بررت حكومة المالكي إجراءاتها بـ"معلومات" زائفة بان من يقف وراء التظاهرات البعثيون والقاعدة، ولم يثبت أبداً وجود عشرة من البعثيين أو من القاعدة بين المتظاهرين، بل ان المالكي أعلن بنفسه أن المطالب التي طرحها المتظاهرون شرعية ودستورية، وقطع عهداً علنياً بتنفيذها.. وحتى اليوم لم يفِ بالعهد.
تبريراً لإجراءات الحكومة لوقف التظاهرات أعلن مسؤولون في عمليات بغداد يومذاك أن التظاهرات، وهي كانت تجري أيام الجمعة حصراً، تضرّ بمصالح وأصحاب المحال في منطقة الباب الشرقي. ولم يكن ذلك صحيحاً لأن الأعمال في هذه المنطقة وسائر مناطق وسط بغداد تكون معطلة في الغالب أيام الجمعة.
أمس كان يوم سبت، وهو يوم تزدهر فيه الأعمال في الباب الشرقي والشوارع المؤدية إليها، ومع ذلك فان الحكومة لم تلتفت إلى مصلحة الباعة وأصحاب المحال لتعترض على تنظيم التظاهرة المؤيدة لرئيس الوزراء! فقد أرغم أمس مئات الباعة وأصحاب المحال على الإغلاق في منطقة الباب الشرقي ومحيطها والشوارع المؤدية إليها التي فُرض فيها أيضاً الحظر على سير السيارات والدراجات، بل كان يجري التدقيق في هوية المشاة.
هذا كيل بمكيالين حيال التظاهرات لصالح المؤيدة لرئيس الوزراء. أين الديمقراطية وأين دولة القانون من هذا؟