اشعر بالأسى وأنا اقرأ لبعض الزملاء وهم يتحدثون عن المنقذ الذي تنتظره البلاد.. فهم ينطلقون من تصور ان الازمة التي نمر بها لن تحسم إلا بوجود رجل قوي.. يريدون ان يوهموا الناس بأن ساستنا يدافعون عن إجراءات دستورية والاهم إنهم يحرصون على وحدة العراق ومنع التدخل الخارجي.. فلا يهم ان تزاح ملفات الامن ومشكلات الخدمات واقصاء الكفاءات واحتضان المفسدين .. ونهب ثروة البلاد .. فهذه أمور يمكن ان نتنازل عنها مقابل ان لا يغيب البطل الأسطوري الذي سينقذ البلاد من مصير اسود.. كتابات تلعب على وتر قلق الناس وخوفها، ويتصورون أنه يمكن إعادة إنتاج القائد الأب بصورة منقحة وجديدة.
هذه النوعية من الكتابات، تنتمي للأسف إلى حصة الإملاء، وليس إلى القراءة الخلدونية، في هذا الإطار يمكن التعامل مع ما يكتبه البعض من النصائح والوصايا التي تدخل في خانة الضحك على ذقون البسطاء.
لا يخفى على أحد أن معظم السياسيين يحاولون بشتى الطرق أن يلتفوا على مطالب الناس المشروعة باستتباب الأمن والعدالة الاجتماعية وبناء أسس الدولة المدنية، وسلاحهم في ذلك هي الخطب والبيانات التي يرددونها عن المؤامرة التي تتربص بالعراقيين، يحاولون تخويف الناس وتصوير الأمور بان كل من يعترض على ما يجري في البلاد هو مخرب ويسعى للعبث بأمن الوطن، المضحك في الأمر أن الكثير من الساسة لا يريدون أن يصدقوا أن هناك تغييرا حدث في العراق وان زمن الانقلابات ولى إلى غير رجعة.
الحديث العائم عن مخطط لقلب نظام الحكم دون أن نقدم أدلة موثقة يحول الأمر إلى نكتة ستتداولها الأجيال من بعدنا، مثل نكات المرحوم جحا الذي لا يعرف احد أصله او فصله.
ولأن الكتاب الظرفاء قرروا ألا ينظروا إلى المشهد إلا من خلال "مقصورة " الحكومة، وهم يهتفون بالنصر لرئيس الوزراء متجاهلين تماما أن عملية قتل متعمد للحياة السياسية في العراق تمت على يد معظم الكتل السياسية، وتراهم للأسف وسط كل هذا الخراب السياسي يستكثرون على الناس أن يفكروا في حكومة تلبي احتياجاتهم اليومية، حكومة يمكنها أن تعبر عن طموحات الناس وليست حكومة مفبركة مثل التي لو استمرت فإنها ستهدد الحياة السياسية بالانقراض.
المالكي يعرف جيدا، من المسؤول عن هذه الأزمات في المجتمع، المسؤول عن اندلاع الاحتجاجات والتظاهرات، المسؤول عن البطالة ونقص الخدمات وسرقة أموال الدولة واستشراء الفساد وشراء الذمم والمحسوبية والرشوة والانتهازية، فماذا ينتظر إذن ؟، انه للأسف يراهن على فضيلة النسيان، فإذا كانت الناس لا تتذكر عدد المرات التي خابت فيها الحكومة، وتنسى أن أموالا طائلة أهدرت على مشاريع وهمية، فإن المواطنين الاعتياديين سوف ينسون بعد أيام أو شهور كيف تم اختيار هذه الحكومة وسوف ينهمكون في قصص وحكايات أخرى كثيرة يجيد بعض الكتاب إخراجها من الجعبة كل فترة وبطريقة أفضل من أمهر الحواة.
كتاب لا يزالون يؤمنون بان المسؤول لا يمس، وعلى معارضيه ان يحترموا أنفسهم وان لا ينساقوا الى الحديث عن مساوئ السلطة التنفيذية، لأنها في نظرهم تريد المحافظة على امن واستقرار البلاد .. طبعا لا ينسى هؤلاء الكتاب الأعزاء وهم يمسكون لنا عصا الموعظة والإرشاد ان يخبرونا في نهاية كل فقرة من المقال بان لا ناقة لهم ولا جمل، وان الامر مجرد إسداء النصح .. وان عيونهم لا ترنو لمنصب ولا لمنافع جديدة .. وينسى زملاؤنا الأعزاء أن الدولة الحقة لا تبنى على تدمير القضاء والسيطرة عليه ..وان الديمقراطية لا تعني أن يتحكم المزاج الشخصي والمنفعي في تطبيق الدستور والقانون، وان الاستقرار لا يتطلب ان تسرق وتنهب أموال الشعب على مشاريع وهمية.. وان الحفاظ على هيبة الدولة لا يعني ان انها تهتف بالروح وبالدم لكل موظف حكومي.
لكن الآن لأن المقال له مساحة تنتهي.. فهذا نداء إلى المتطلعين لعطايا الحكومة ومباهجها، تعالوا نحترم عقلية المواطن البسيط، قولوا قولا حكيما ومنصفا .. واتركوا الوصايا والبلاغات المحشوة بالجمل الثورية.