حكايتها هي نفس حكاية الكثيرات من بنات جيلها ... كانت تحلم بمستقبل وردي يحمل إليها مفاتيح السعادة ... فارس الاحلام ... الثراء ... المهم ان تهرب من كابوس الفقر ... وتنسى رائحته التي لم تبرح انفها طوال سنوات عمرها !... لكن (م) تمردت على واقعها ... راحت
حكايتها هي نفس حكاية الكثيرات من بنات جيلها ... كانت تحلم بمستقبل وردي يحمل إليها مفاتيح السعادة ... فارس الاحلام ... الثراء ... المهم ان تهرب من كابوس الفقر ... وتنسى رائحته التي لم تبرح انفها طوال سنوات عمرها !... لكن (م) تمردت على واقعها ... راحت تبحث عن حلمها ... ولم تتوقع أنها ذهبت إلى السجن بقدميها ! داخل منزل قديم محشور في وسط حي من أحياء البصرة القديمة فتحت (م) عينيها على الحياة ... كانت واحدة وسط أسرة تتكون من الأب المكافح والأم وخمسة من الأشقاء ... الحياة صعبة ... جافة ... لا هم لهذه الأسرة سوى التفكير في اليوم القادم ... هل تستطيع العائلة تدبير المصاريف المطلوبة لهذا اليوم ؟! وظل الاب يواصل رحلته الشاقة عاملاً في الميناء ... لكن العمر لم يطل به كثيرا ... سرعان ما سقط الرجل مستغيثا من آلام جرح في قلبه لم يمهله ساعات في مستشفى البصرة حتى فارق الحياة بالجلطة القلبية ... ترك زوجته وأولاده يواجهون مصيرا مجهولا ... الايام تمضي والاعباء تزيد ! بمجرد ان حصلت (م) على شهادة المتوسطة .. ابتسمت لها الحياة عندما دق شاب بابها طالبا خطبتها ... ظنت ان طوق النجاة انتشلها من الفقر الى الأبد ... طمأنت نفسها ان الفقر سيرحل عنها بلا رجعة ! لكن ايام الزواج السعيدة التي عاشت فيها (م) لم تكن طويلة تمردت على حياتها ... كانت تخرج من المنزل وترجع بدون أذنه ... واذا عاتبها زوجها على خروجها المتكرر تثور عليه كأنه سكرتيرها الخاص ... تأمر فتطاع ... لم يصبر زوجها عليها كثيرا ... خاف من تصرفاتها وخروجها المتكرر وغرورها في نفسها المبالغ فيه ... شعر بانه يمضي في طريق وهي في طريق آخر ... وأخيرا طلقها ... استقبلت (م) الطلاق بثقة وثبات تحسد عليه ... كأنها لم تعد تحمل هماً لوصفها كمطلقة من ناحية ... ولعدم وجود مصدر دخل تعيش منه من ناحية اخرى ... اذن ما هو البديل الذي بعث في نفسها كل هذه الطمأنينة ؟... الاجابة ... حملتها الأيام التالية .. تعرفت على صديقة عندما كانت في بيت الزوجية ... زارتها بعد الطلاق ونصحتها بالذهاب الى أربيل والعمل في الملاهي ... هناك لانها جربت الشغل وكان مربحا !.. في اليوم التالي حزمت حقيبتها ... وادارت ظهرها للبصرة واهلها ... وركبت الجمسي متجة الى الشمال ... طوال رحلة السيارة تداعت امام عينيها صور الحلم الجميل على ارض اربيل ! تصورتها مدينة ساحرة عامرة بأصحاب الملايين والشهرة ... الملايين هي صاحبة الكلمة العليا ... والطريق إليها ما أسهله ... تعرفه جيدا من عشرات القصص التي روتها صديقتها لها وسمعتها من صديقات سبقتها إلى هذا الطريق ... أقنعتها بأنها تستطيع تحقيق أحلامها الوردية داخل ملهى ليلي في أربيل وما أكثر الملاهي والديسكوات والفنادق السياحية ! وصلت (م) الى أربيل ... وسكنت في احد الفنادق ... تزفها الأحلام، عيناها تدور في كل مكان.. تريد أن تمسحا كل شبر في المدينة ...تدقق في كل الوجوه ... بهرتها المشاهد الساحرة ... التحقت اول ايام عملها كمضيفة في ملهى ليلي ... منذ الوهلة الاولى فهمت طبيعة عملها ... يتطلب منها الابتسامة الدائمة ... والجلوس مع الزبائن ... التعايش مع جو الليل ومفاجأته المثيرة وأهله الغرباء ! في البداية انتابها شعور بالخوف وهي تقف وسط السكارى وهم يترنحون يمينا ويسارا ... لكن سرعان ما تعاملت مع الأمر الواقع ... حفظت بعض الكلمات الكردية التي تستطيع التعامل بها مع هؤلاء وغيرهم ... بدأت تعرف الطريق إلى الدولارات الخضراء ... استأجرت شقة مع صديقة تعرفت عليها في الملهى ... شقة مؤثثة ... تنام معظم ساعات النهار ... وفي المساء تستعد لقضاء ليلة طويلة في الملهى الليلي ! ... ولان المثل الشائع يقول ( وكع الفاس بالرأس ) بالفعل تحولت (م) إلى فتاة ليل .. احترفت البغاء والسكر ومصاحبه الرجال بعد انتهاء العمل في الملهى إلى شقتها لإكمال السهرة هناك... أصبحت شقتها وكرا للدعارة ولعب القمار والسمسرة! وأصبحت بعد أشهر معروفة بالتحريض على الفسوق وارتكاب الأفعال الفاضحة ... وممارسة الدعارة والأولوية لمن يدفع أكثر!
ولأن كل شيء له نهاية ... ذاع صيت (م) في نشاطها في القوادة والبغاء ... كانت عيون شرطة مكافحة الآداب تراقب تصرفاتها لحظة بلحظة... معلومات سرية تلقتها المديرية عن كل نشاطها وماذا تعمل في شقتها... المعلومات التي حصلت عليها المديرية أكدت من أكثر من مصدر سري بأن شقة (م) أصبحت معدة للفساد ولعب القمار والسمسرة .. قرر قاضي التحقيق مداهمة الشقة ... في اليوم الموعود ... كانت (م) تمارس الجنس في أحضان شاب يعمل حلاقا نسائيا في داخل شقتها المفروشة ... لم تدر بنفسها إلا ومفرزة من شرطة الآداب تداهم شقتها ... تم القبض عليهما متلبسين بارتكاب جريمة الزنا الحرام ! في المركز اعترفت (م) بقصتها من البداية إلى النهاية ... وكان اكثر من شاهد على ما يدور في شقتها ... بعد تصديق أقوالها قضائيا تمت إحالتها الى المحكمة ... اليوم (م) في سجن النساء بانتظار محاكمتها ... وأصبحت قصتها على كل لسان في سجن النساء !.