وإن كان حجم التظاهرات، التي بدأت أولا في الأنبار، كبيرا لكن مطالبها لم تكن كذلك. كانت المطالب بسيطة. حتى أن المالكي بنفسه قال عنها، في أول يوم لانطلاقها، بأنها مشروعة لكن بعضها ليس من اختصاصه، وهو في هذا مصيب.
بعد يوم واحد لا أكثر، تغير موقف المالكي وصار يشكل لجانا ويرسل وفودا من هنا وهناك ليأتوه بقائمة تتضمن مطالب المتظاهرين وكأنه لم يسمع بها من قبل ولا صنفها إلى بعض من اختصاصه، وبعض من اختصاص السلطتين التشريعية والقضائية. قطعا إنهم مستشاروه ومقربوه من أوحوا له بفكرة "نريد المطالب مكتوبة". عندما بدأت لعبة التسويف والمماطلة من قبل السلطة أخذت التظاهرات تكبر وتتسع لتشمل محافظات صلاح الدين والموصل وكركوك وديالى وغيرها.
مطالب المتظاهرين اللاحقة لم تكن كلها واقعية، أو مشروعة، خاصة إلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب.
من حق باقي الشعب، الذي لم يكن في يومها قد تظاهر بعد، خاصة في المحافظات الجنوبية، أن يخاف. فجرائم البعث التي طالتهم كانت أبشع هولوكوست عراقي. وأي مناداة، من أي طرف بالسماح لعودة البعث للعراق ومهما كانت الذرائع تعني، في اقل ما تعنيه، استخفافا بدماء ضحاياهم.
أما الدعوة لإلغاء قانون مكافحة الإرهاب فلا تختلف كثيرا عن الدعوة لقطع الأوكسجين عن هواء العراق ليصبح الموت فيه يوميا وجماعيا. لا بلد مثل العراق عانى ويعاني كل يوم من جرائم الإرهاب، ومع هذا نجد أن أغلب دول العالم وضعت قوانين أقسى وأشد لمكافحته من القانون العراقي.
إن الحكومة، قبل غيرها، بفعل جهلها وضعف همتها عن الاستجابة السريعة لمطالب أهل الأنبار المشروعة، تتحمل مسؤولية كبيرة في السماح لبعض الأصوات والجهات، داخلية أم كانت أم خارجية، أن تتسلل لصفوف المتظاهرين وتدس مطالبها.
ما زالت هناك فرصة للحل أمام المالكي، شريطة أن لا يركن لرأي مقربيه ومستشاريه. وهنا أقولها له بإخلاص إنه لو ظل يعتمدهم فسيصنعون نهايته ونهاية العراق بأيديهم.
الحل، كما أراه، أن تشكل لجنة تحظى بموافقة المتظاهرين من "الجهتين" ترأسها إحدى المنظمات الدولية المختصة بحقوق الإنسان كأن تكون "هيومن رايت ووتش" مثلا، للتحقق من سلامة تطبيق قانون المساءلة والعدالة وكذلك المادة 4 إرهاب:
1- تطلب اللجنة من رئيس مجلس الوزراء تقديم قائمة بالأسماء التي استثناها من الاجتثاث مع ذكر المعايير التي اعتمدها بالاستثناء. فإن كانت سليمة وإنسانية وغُلّبت فيها المصلحة العامة على الشخصية، فلتأخذ بها اللجنة وتعممها على باقي المجتثين. أما إذا كان عكس ذلك فلتلغَ وتحل محلها معايير أخرى تقترحها منظمة حقوق الإنسان بالتوافق مع أعضاء اللجنة المشكلة.
2- تحديد سقف زمني تنتهي به مهمة هيئة المساءلة والعدالة وليكن 12 شهرا من الآن، على أن يصدر قانون جديد يحدد عقوبات صارمة بحق كل من يثبت تورطه في أي عمل يهدف لإحياء حزب البعث بالعراق بأي شكل من الأشكال.
3- أن يكون للجنة حضور مستقل حين استجواب أي شخص ألقي عليه القبض بتهمة الإرهاب عن طريق المخبر السري أو غيره، على أن يتم حسم إحالته للمحاكم المختصة خلال مدة أقصاها 72 ساعة، أو إطلاق سراحه.
4- تطالب اللجنة ببيان لعموم الشعب أن يتقدم كل من له موقوف لم تتم محاكمته خلال مدة محددة. وبعد انتهاء المدة تعد قوائم بالأسماء لمطابقتها مع سجلات وزارة العدل والسجلات القضائية الأخرى وتحديد سقف زمني معقول لحسم أمر الموقوفين، مع محاسبة كل من عرقل إحالتهم للقضاء.
غريب أن كل ما فعلته الحكومة إلى اليوم هو أنها أطلقت سراح 11 سجينة فقط من البريئات، بينما عصابة إرهابية تطلق سراح 12 إرهابيا مشمولا بالمادة 4 إرهاب خلال نصف ساعة. أما تستحي هذه الحكومة أن يكون الإرهابي "أكرم" منها و أسرع؟