هل واجب الاعلام أن يكون محايدا أم منحازا؟
هذا السؤال سيظل مطروحا في كل مجتمع تغيب فيه حرية الحصول على المعلومات، وتنعدم فيه الشفافية، لأنه لم تطبق لديه قوانين حقوق الانسان، وبالتالي لم يدخل بعد مملكة الحرية.
والواقع أن السؤال يعبر عن اضطراب فكري، وبلبلة أو فوضى في المعاني، وهو سؤال خاطىء من أصله. ان الاعلام بالجملة، ان كل وسيلة اعلامية، تقدم فئتين من الخدمة، أو خدمتين، هما الخبر والرأي. والقاعدة التي يقوم عليها الاعلام هو وجوب أن يكون الخبر محايدا والرأي منحازا.
ان الخدمة الأساسية التي وجد الاعلام من أصلها، ونما وتطور، وتحول في المجتمعات الحرة الى سلطة، تتمثل بـ "الإعلام". أي الإخبار. الإعلام والإخبار عن ماذا؟ عن الحقيقة. ان الخدمة الأساسية التي من أجلها يعمل الاعلام هي تقديم الحقيقة للناس، مثلما تكون الخدمة الأساسية للحكومة هي توفير الأمن للناس، والخدمة الأساسية للبرلمانات هي تشريع القوانين المنظمة لحياة الناس، والخدمة الوحيدة للقضاء هي تحقيق العدالة بين الناس.
وهذه الأجهزة الأربعة، الحكومة والبرلمان والقضاء والإعلام، هي السلطات المسؤولة في المجتمع الحر عن السهر على تنفيذ قوانينه وتحقيق غاياته وقيمه، والحيلولة دون وقوع أي انحرافات عن تلك القوانين والغايات والقيم، أو تجاوز عليها.
الخبر، عن الحقيقة بالطبع، اذن هو أساس خدمة الاعلام. أما مبنى الاعلام فهو الرأي، الذي يعبر من وجهة نظر صاحبه عن الحق. فلا قيمة للحقيقة بحد ذاتها من دون أن تكون وسيلة للوصول الى الحق. فيصل الثاني آخر ملوك العراق. هذا هو الخبر، أو الحقيقة التي لا خلاف عليها . فيصل الثاني شخصية ضعيفة أو قوية، نفعت أو ضرَّت. هذا هو الرأي. رأيك هو تعبير عما تعتقد أنه الحق في تقويم هذه الشخصية. وكل انسان يجب أن يكون منحازا الى ما يعتقد أنه الحق.
والحق في تقويم الشخصية السياسية، مثلا، يستند الى معايير، كالقانون، أو الإقتصاد، أو الأمن، أو الحرية. هل خدم الرجل الاقتصاد؟ أي مجال منه خدم؟ وكيف حقق هذه الخدمة؟ وماذا ترتبت على هذه الخدمة من نتائج، وكيف انعكست على البلد وأهله؟
وهكذا ترى ان كل "الحق" الذي تريد بلوغه، وهو تقييم هذه الشخصية، يستند على أخبار، على معلومات، من دونها لن تستطيع أن تعرف ماذا فعل الرجل وكيف فعل الذي فعل وماذا كانت نتيجة أفعاله وماذا سيكون حكمك عليه. ان الخبر هو الأساس والرأي هو المبنى الذي يقوم عليه أو فوقه. المعلومة هي الحقيقة والرأي هو الحق. وبهذين الجناحين، الخبر والرأي، يعيش الاعلام، ويمشي، مزودا الناس بثماره، ومفتحا أعينهم على حقائق ما يجري بينهم ومن حولهم، ومنوِّرا لهم بمعاني الحق والباطل في هذه الحقائق.
لكن التعرف على الحقيقة وبلوغ الحق مستحيل، مستحيل تقريبا أو مستحيل استحالة تامة، بالنسبة الى الإعلام في بلد لا تسود فيه حرية الحصول على المعلومات. من دون هذا الحق الذي يضمن لكل مواطن، ولكل صحافي، الذهاب الى اي مؤسسة واستحصال المعلومات التي يريدها منها، تضيع الحقيقة ويتشوش الحق، وينتشر النفاق، ويسود التضليل، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، بالشائعات التي تتحول عندهم الى حقائق، وبالآراء التي تتنزل عليهم كأنها عقائد قد يتذابحون بسببها.
"الخبر محايد والرأي منحاز" ليس مجرد قاعدة أكاديمية في الاعلام الحر، وانما هو صورة من صور التعبير عن دخول مجتمع ما مرحلة الحرية، فضلا عن كونه أداة من أهم ادوات هذه الحرية. والحرية وحدها صاحبة المصلحة الفعلية في الحقيقة، لأنها هي الحق الأعظم والخير الأسمى.
الحياد والانحياز
[post-views]
نشر في: 13 يناير, 2013: 08:00 م