قبل ستة أشهر من موعد الانتخابات النيابية اللبنانية، تسود حال من البلبلة السياسية وعدم الاستقرار مجمل الساحة  اللبنانية، وبدل أن ينصرف الجميع  إلى تشكيل القوائم وحشد الانصار، فإن الاهتمام ينصب على القانون الذي ستجرى بموجبه تلك الانتخابات، في بلد عانى عبر تاريخه من كثرة قوانين الانتخاب، إذ اعتاد اللبنانيون على لجوء سياسييهم وقادة أحزابهم وطوائفهم للمطالبة بإقرار قانون جديد بعد كل انتخابات، على أمل أن يحسّن وضعهم في الدورة التالية للانتخابات.
اليوم يطرح الجنرال ميشيل عون، مؤيداً ببعض الساسة المسيحيين والإسلاميين "حزب الله وحركة أمل"، مشروع قانون للانتخابات، اصطلح على تسميته قانون اللقاء الأرثوذكسي، لتجري على أساسه الانتخابات المقبلة، ما أثار جدلاً ومعارضةً كبيرة، خصوصاً من تيار المستقبل ورئيس الجمهورية، والنائب وليد جنبلاط وقوى مسيحية مستقلة، وعدم تشجع رئيس الوزراء، ما يدفع للاعتقاد باستحالة تطبيقه، وهو يدعو لاعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، بحيث تنتخب كل طائفة ومذهب نوابها، دون غيرها، على مستوى كل لبنان، ثم يجري الفرز بعد ذلك على أساس نسبي، فإذا نالت اللائحة 60% من الأصوات، تحصل على 60% من المقاعد.
قانون عون، إن تم تطبيقه، سيعمق فعلياً هوة الانقسام والاصطفاف الطائفي والمذهبي، العميقة بالاساس حتى داخل أبناء الطائفة الواحدة، وسيدفع الناخبين للتوجه بصوتهم، وفقاً لمعتقدهم الديني والمذهبي فقط، بعيدا عن مفهوم الوحدة الوطنية، أو حتى التشارك مع الآخرين في العملية السياسية، وإذ يحاجج مؤيدو القانون، بأنه سيحسن وضع التمثيل المسيحي، بما يتناسب مع حضورهم ويمنع انحسار مستقبل وجودهم وتأثيرهم كمسيحيين مشرقيين في ظل إفرازات الربيع العربي القائمة، فإن معارضيه يجدون فيه وصفة لضرب مقومات العيش المشترك، وزيادة الانقسامات الداخلية، وتهديد الوحدة الوطنية، وهو يشكل تناقضاً مع عدالة وصحة التمثيل وحرية الاختيار، كما أنه يناقض روح اتفاق الطائف، القائم على الشراكة والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن مخالفته لمقدمة الدستور.
يأتي تشجيع حزب الله وأمل للمشروع، تحت ذريعة أنهما يؤيدان ما يريده المسيحيون، وهم عندهم عون ومن معه، لكن الواقع يقول إنه بسبب هيمنتهما على الأصوات الشيعية، فإن القانون المقترح سيمنع بروز أي قوة شيعية أخرى، ما يعني ديمومة هيمنتهما السياسية على لبنان، من خلال إعادة تركيب الصورة اللبنانية في لوحة واحدة، بعدما تكسر الإطار وتشظت ألوان تلك اللوحة الفسيفسائية، وحري بالتذكير، أن الطائفة المارونية فقدت الكثير من نفوذها، لصالح الإسلام الشيعي، المؤيد من سوريا وإيران، وهي تسعى اليوم، حسب عون، لاستعادته على حساب الطوائف الأخرى، وتقاسمه مع ممثلي الإسلام الشيعي، ضاربين عرض الحائط، بفكرة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، ومستثيرين عداء اللبنانيين من الطوائف الأخرى، الأساسية في الصورة اللبنانية.
ستمر مياه كثيرة تحت الجسور اللبنانية، قبل الوصول إلى حزيران الساخن، فيما تدل كل المؤشرات، على عدم إمكانية تمرير مشروع الجنرال، خصوصاً بعد تراجع البطريرك الراعي عن تأييده، حفاظاً على  وحدة الموقف المسيحي، خصوصاً لجهة العلاقات الطيبة مع رئيس الجمهورية وسمير جعجع، المعارضين بضراوة للمشروع، ما يعني البحث عن بدائل تحظى برضى الأطراف الأخرى "بري وجنبلاط"، ما دام الهدف هو عدم إجراء الانتخابات على  أساس قانون الستين النافذ حالياً، حتى أن شخصيات معنية بجهود الراعي، لتوحيد الموقف المسيحي، رأت أن هدفه من جمع القيادات المارونية، نوعاً من البراءة من المشروع، بدليل البيان الذي صدر وأكد الدعوة الى قانون يؤمّن أفضل تمثيل وعدالة وسلامة لكل الطوائف اللبنانية، وهو بيان نأى بالصرح البطركي عن مشروع عون وحلفائه.