TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا تبقى للإبراهيمي؟

ماذا تبقى للإبراهيمي؟

نشر في: 15 يناير, 2013: 08:00 م

ينتظر المراقبون من المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي موقفاً، يتجاوز وصفه لخطاب الرئيس السوري الأخير بالطائفي، وقد تراجع عنه جزئياً، معرّضاً مهمته وشخصه لهجوم إعلامي من دمشق، بعد تعرضه لانتقادات واسعة من معارضي الأسد، تلقاها وهو مكشوف الظهر من المجتمع الدولي، في ظل غياب توافق روسي أميركي على آليات حلحلة الأزمة السورية، وتفكيك تعقيداتها المحلية والإقليمية، ما ظلّ يدفعه لتأجيل إطلاق مبادرة للحل، وهو العارف بمواقف الأطراف كافة، والمدرك أكثر من الجميع استحالة الحسم العسكري، مثلما يدرك استحالة جمع النقيضين، المعارضة والنظام على طاولة التفاوض، دون ضغوط فاعلة من داعميهما، لم نشهد لها أثراً حتى اللحظة.
يتلطى كل الداعمين لبقاء النظام السوري، وحتى المحايدين، خلف فكرة الخوف من قيام نظام دكتاتوري ديني، يخلف دكتاتورية الحزب والعائلة والاجهزة الأمنية، ويغيب عنهم أنه كلما تأخر فرض الحل، تنامت قوة المتشددين، سواء كانوا من جبهة النصرة التي يتعاظم دورها، وهي تقضم الأرض من تحت أقدام النظام ومعارضيه في آن معاً، أو جماعة الإخوان المسلمين، المدعومة من مصر وتركيا وقطر، خصوصاً وأن المتشددين يعرفون جيداً تفاصيل الجغرافيا السورية، منذ دعمهم نظام الأسد، وسهّل لهم الانتقال عبر أراضيه إلى العراق، بعد إطاحة النظام البعثي فيه، ولا يبدو مفهوما تقاعس الغرب عن التدخل بفاعلية، إلا إن كان الفشل في أفغانستان والعراق، معطوفاً على الأزمة الاقتصادية التي تضرب معظم الدول الغربية، مانعاً من اتخاذ قرار بالتدخل، يعرف الجميع أنه سيكون مكلفاً، لكن دماء السوريين ومستقبل المنطقة تستحق هذه "المغامرة".
في ظل توافق موسكو وواشنطن، على البحث عن إجابة حول اليوم التالي لرحيل الأسد، ومصير الأقليات، والموقف من إسرائيل، ومآلات الأسلحة الكيماوية التي اعترف النظام بامتلاكها، لا يبدو منطقياً انتظار النهاية بغالب ومغلوب، وكأن الجميع ينتظر أن تبادر قوى المعارضة، إلى حسم معركتها مع النظام والمتشددين من جبهة النصرة، والجهاديين الذين سهلت لهم تركيا العبور إلى سوريا، ومنحتهم حرية الحركة فيها، وكأن سوريا ينقصها حرب جديدة بين الاخوان وجبهة النصرة، وهي حرب ستزيد بالتأكيد من تعقيد الأزمة السورية، وتدفع إلى تكرار التجربة العراقية الشديدة المرارة، والتي تبدو مرفوضة حتى من جانب إيران، الداعمة بكل قوتها لنظام الأسد.
السيناريوهات القاتمة لمستقبل الأزمة السورية، تنحصر في تمكن المعارضة من الاستيلاء على دمشق وحلب، وعندها فإن النظام سينتقل إلى الساحل، مسلحاً بشرعيته، في حين تغرق البلاد في فوضى القتال بين مجاميع المسلحين للفوز بالسلطة، التي ستكون في دولة مدمّرة، ومحتاجة لمليارات الدولارات لتسترد بعض عافيتها، ومحاطة من جانب بتركيا، المتخمة بمشاكلها الداخلية، سواء مع العلويين الداعمين للأسد، أو الكرد الساعين للانفصال أو الحكم الذاتي، ومن جانب آخر بالعراق المهدد بالتقسيم، أو الحرب الأهلية الطائفية، إضافة إلى لبنان الذي ينتظر مغامراً يلقي بعود ثقاب على كومة قشه الجافة والاردن الذي يصارع للبقاء في ظل التهديدات الاسرائيلية بوضع فكرة الوطن البديل موضع التنفيذ.
يعرف الإبراهيمي، ومعه كل المراقبين، أن الأزمة السورية دخلت مرحلة الجمود، رغم سفك المزيد من الدماء، وتدمير المزيد من البنية التحتية في الدولة السورية، وأن أي حل يستوجب توافق الكبار في مجلس الأمن، وعلى فرض أن هذا لم يحصل، فهل يكون أمام الإبراهيمي غير الانسحاب، قبل أن تتحول مهمته إلى غطاء للعجز الدولي عن وقف الحرب وفرض التسوية، في ظل إنكار طرفي الصراع للآخر، ورفض الحوار معه، فالنظام يعتبر معارضيه مجموعات إرهابية مدعومة من الخارج لتقويضه، في حين لا يجرؤ أي طرف في المعارضة، سواء في الداخل والخارج، على خوض تجربة التفاوض مع النظام، أو القبول بأي دور للاسد في مستقبل سوريا، أو حتى في المرحلة الانتقالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram