لينا مظلوم*يترقب المشهد المصري حلول الذكرى الثانية لثورة 25 يناير (كانون الثاني) وهو مازال مُحاصرا داخل حدود فوضى اجتماعية وعدم استقرار أمني وأزمة اقتصادية خانقة وانقسام حاد بلغت مظاهره مرحلة العنف، بصرف النظر عمّا ستسفر عنه أحداث هذه الذكرى التي ست
لينا مظلوم*
يترقب المشهد المصري حلول الذكرى الثانية لثورة 25 يناير (كانون الثاني) وهو مازال مُحاصرا داخل حدود فوضى اجتماعية وعدم استقرار أمني وأزمة اقتصادية خانقة وانقسام حاد بلغت مظاهره مرحلة العنف، بصرف النظر عمّا ستسفر عنه أحداث هذه الذكرى التي ستحدد مجرياتها أربع قوى تظهر حاليا في الصورة.
الأولى ، القطاع الثائر من الشباب- أصحاب الثورة الحقيقيين- والمُنتظر أن يكون الأبرز حضورا في هذه المناسبة ..خصوصا أن العامين الماضيين شهدا تحولاً في رؤية الشباب لروح وطبيعة الثورة.. حالة الغضب و المرارة من سرقة الإخوان للثورة و ممارساتها الانتقامية العنيفة ضدهم, التي وصلت إلى التعذيب الوحشي و القتل .. دفعتهم إلى تبني منهج المواجهة و الرد بالعنف على العنف .. بعد أن كانت"سلمية" هي أول الشعارات التي رُفعت منذ عامين. يُضاف إليها حشود لا يُستهان بأعدادها انتقلت بعد الثورة من عالم الرياضة إلى السياسة .. يُطلق عليهم صفة " ULTRAS".. تكتلات شبابية كبيرة تضم مُشجعي أشهر فرق كرة القدم في النوادي المختلفة.. و قد كان تواجدهم مؤثرا في صد اعتداء ميليشيا الإخوان على المعتصمين سواء في ميدان التحرير أو جوار مقر الرئاسة- قصر الاتحادية- بما لديهم من قدرة فائقة على تحشيد جموعهم .. هم ينتظرون 25 كانون الثاني حيث سيتم أيضا النطق بالحُكم في القضية التي عرفت إعلاميا بـ"مذبحة بورسعيد" التي راح ضحيتها 72 من شبابهم قتلوا أثناء مباراة كرة قدم. الإحباط الذي ساد هذا القطاع نتيجة فقد الثقة في الإخوان والمعارضة ، قد يُغيّر مسار الذكرى الثانية.. بعد أن اختفت كلمة"سلمية" من قاموس انفعالاتهم و مشاعرهم.
الثانية ، المعارضة التي توحدت فصائلها و رموزها في "جبهة الإنقاذ الوطني".. و يتبّع الإخوان عدة وسائل بهدف تشتيت جهودها من خلال قرارات أو سياسات مفاجئة تدفع الجبهة إلى الانشغال في معارضتها بدلا من التركيز على إرساء قواعد شعبيتها و تواجدها في الشارع.. رغم كل المحاولات, ما زال أمام الجبهة بذل المزيد في تدعيم مقومات التماسك وتوحد أهدافها و فتح قنوات تواصل لاستعادة ثقة تيار شباب الثورة كقوة مساندة لها.. بالتوازي مع الاتجاه نحو القرى والمحافظات كي تؤسس حضورا شعبيا مؤثرا بعد أن سبقتها التيارات الإسلامية إلى هذه المناطق.
رغم عدم وجود دلائل من التيارات الإسلامية المهيمنة على مقاليد الحُكم ، وبالتالي على مجلس الشورى المنوط به إصدار قانون الانتخابات البرلمانية القادمة ، على أي استجابة لمطالب المعارضة و مقترحاتها من ضمانات تؤكد نزاهة و شفافية مسار إجراء هذه العملية السياسية للحد من الأساليب الملتوية التي تعتمد عليها التيارات الإسلامية من أجل تحويل نتائج الانتخابات لصالحها بعيدا عن التمثيل الحقيقي لفئات الشعب .. و هو ما اتبعته أثناء كل الانتخابات التي جرت في مصر خلال عامين.. مما قد ينعكس على نتائج "معركة المصير" -الانتخابات البرلمانية القادمة- التي ينتظرها الشارع .. إذ يعتبر إعلان الجبهة خوض الانتخابات بقائمة موحدة –باستثناء بعض المناطق المحدودة- بادرة إيجابية في مواجهة التيار الإسلامي.. قد تؤثر على الخارطة الانتخابية القادمة.
ثالثا، قوى الإسلام السياسي, على رأسها جماعة الإخوان التي بدأ قادتها من رجال الأعمال الأثرياء في دعم وجمع التبرعات الطائلة لتمويل حملة الانتخابات.. على الصعيد السياسي ، تلتزم الجماعة بالصمت حول مشاركتها في ذكرى الثورة ..مكتفية برسائل تهديد عنيفة لشباب الثورة تمثلت في الاعتداء بالقنابل و الأسلحة البيضاء على أماكن المعتصمين. التيار السلفي- الحليف الأساسي للجماعة- يعاني من انقسامات و انشقاق بين قادته ، أدت إلى ظهور أحزاب انشقت مؤخرا عن الكيان السلفي الرئيسي- حزب النور- تأثير هذه الانقسامات حتما سيكون له أثر في التحالفات التي ستتم قبل الانتخابات .. خصوصا أمام إصرار التيار الإخواني الحاكم على سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة و رفضه تبني سياسة فهم أزمات و تحديات الواقع بهدف الوصول إلى حلول لها.
الرابعة ، المؤسسة الأمنية و العسكرية.. أحاطت المخاوف بالتغيرات الأمنية التي جرت إثر التعديل الوزاري الأخير ، و اختيار وزير جديد للداخلية.. لعل أخطر ما تردد حول قرار الجماعة الإطاحة بالوزير السابق عقابا على إبداء غضبه من اللقاء الذي جرى بين قيادات من الجماعة - أحدهم يشغل منصبا رفيعا في الرئاسة- و قاسم سليماني نائب قائد الحرس الثوري الإيراني –رغم نفي الجانب الإيراني إلاّ أن اللقاء تم فعلا- . لعل أخطر ما في اللقاء , ما أثير عن رغبة الجماعة في الاستعانة بالخبرات الإيرانية في تشكيل قوة أمنية خاصة بها على نمط الحرس الثوري. أيضا من أسباب الإطاحة, رفض الوزير السابق تطويع الجهاز الأمني نحو خدمة الجماعة و قادتها و مقراتها .. بالإضافة إلى إعطاء الوزير القادم رسالة هامة حول كيفية التعامل مع أية تحركات تنوي المعارضة و شباب الثورة إقامتها في الذكرى الثانية.
موقف المؤسسة العسكرية عن انحيازها للشعب مازال يتردد عبر تصريحاتها العلنية.. هذه المؤسسة قررت حاليا التفرغ لأحد أخطر التحديات التي تواجهها على الحدود الشرقية.. بعد أن أصبحت منطقة سيناء مرتعا للتنظيمات الإرهابية المختلفة ، مما أدى مؤخرا إلى حديث عن تنسيق مع المؤسسة العسكرية الأميركية لإعادة الأمن إلى المنطقة خوفا من أن تشكّل هذه التنظيمات تهديداً أمنياً على إسرائيل.
*كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة