طارق الجبوريابتداءً لابد من الإشارة ومن باب الأمانة إلى أن العنوان والموضوع بمجمله مستوحى من دعوة كريمة لمؤسسة الحوار المدني للمشاركة ببحث بمناسبة انعقاد أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي بدورته العاشرة خلال النصف الثاني من شهر آذار 2013 في تونس
طارق الجبوري
ابتداءً لابد من الإشارة ومن باب الأمانة إلى أن العنوان والموضوع بمجمله مستوحى من دعوة كريمة لمؤسسة الحوار المدني للمشاركة ببحث بمناسبة انعقاد أعمال المنتدى الاجتماعي العالمي بدورته العاشرة خلال النصف الثاني من شهر آذار 2013 في تونس ،وهي المرة الأولى التي يعقد فيها في أحد البلدان العربية بحسب ما جاء في مقدمة الدعوة التي تضمنت ستة محاور على شكل أسئلة ستة هي :
1 – هل ما زالت أطروحة "عالم آخر ممكن " قائمة ،و هل من مفر من اقتصاد السوق بعد أن أضحى حقيقة ملموسة ، وهل يمكن أن يكون للمنتدى الاجتماعي دور في صياغة البدائل ؟
2-ماذا يعني انعقاد المؤتمر في بلد عربي ؟ هل هو اختيار موفق ؟ وهل علينا كباحثين أن نستعد له ؟
3-هل يمكن لليسار في البلدان العربية بمختلف أطيافه أن يتجمع في صيغ حركات اجتماعية تشترك بنضالها من أجل العدالة والخبز والكرامة ؟ وهل من فرصة لتشكيل – منتدى اجتماعي – في المنطقة العربية يكون عابراً للحدود ويضم المكونات ذات الاتجاهات المختلفة ؟
4_ في ظل تسيد الإسلام السياسي الموقف في المنطقة ،هل للعدالة الاجتماعية أي مستقبل ؟ وهل الإسلام السياسي مؤهل لتبني العدالة الاجتماعية كقضية ومعتقد ؟ وهل على المنتدى والحركات الاجتماعية أن تنفتح على قوى الإسلام السياسي كونه الآن حقيقة ، أم أنه يجب أن تواجهه ولماذا ؟ وكذلك دور المرأة وحقوقها كونها المستهدف الأول لديهم ؟
5_ ما حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الاجتماعية في المنطقة العربية اليوم
خصوصا الجديدة منها والتي تستخدم التقنيات الحديثة وشبكات التواصل للتعبير والتي ترفض
الانخراط في الأحزاب وترفض صيغ الجمعيات غير الحكومية ؟
6_ كيف تقيم دور منظمات المجتمع المدني في التصدي لهموم الناس ومشكلاتهم اليومية
والدفاع عن حقوقهم ؟
ولأهمية الموضوع خاصة في المرحلة الحالية وما شهده ويشهده العالم من متغيرات سياسية واقتصادية وأيدو لوجية ولما عودتنا عليها" المدى " من مواقف واتجاهات واضحة للدفاع عن مصالح المواطنين خاصة الشرائح الفقيرة منهم ، ارتأينا أن نسهم برأي متواضع لاندعي أنه يرقى إلى مستوى البحث ، كما أنها محاولة للوفاء لمنظمي هذه التظاهرة السياسية ومحاولة لسد بعض جوانب التقصير في عدم إرسال إجابات عن الأسئلة في وقتها المحدد .
ومن الجلي انه لن يكون من الممكن في إطار ما تتيحه الصفحة من مجال الإجابة عن الأسئلة الستة بشيء من التفصيل ، غير أننا سنحاول أيضا رسم مفاتيح لمجمل المواضيع الحساسة والدقيقة موضوع بحث المنتدى المترابطة في ما بينها من حيث المضمون والجوهر ولكن بشيء من الاختصار .
ابتداءً وكمدخل نراه ضرورياً لنعي مدى إمكانية " عالم آخر " لابد من أن نستذكر أبرز المؤثرات التي تتحكم بعالم اليوم التي نعتقد أنها تحدد بعاملين:
الأول ما أفرزه انتهاء ثنائية الاستقطاب الدولي من نتائج وسيطرة قطب واحد للتأثير على مجمل الاحداث على وفق مصالحه المتعلقة بالسوق المفتوحة . أما الثاني فهو هذا الإيقاع المتسارع لمفهوم العولمة وما صاحبها من ثورة المعلوماتية . هذان العاملان وماصاحبهما من خطوات ولأسباب أخرى انعكست سلباً على المفاهيم التي كانت سائدة خاصة ما يتعلق بقدرة الاشتراكية على تحقيق العدالة والمساواة . بالمقابل فإن الأحداث أثبتت أيضا بان مفهوم اقتصاد السوق من دون ضوابط عاجز وحده عن توفير الوعود بالرفاهية للشعوب . ومتابعة لما جرى من أزمات في النظام الرأسمالي وارتفاع نسبة الجوع والمرض والموت في آسيا وإفريقيا وغيرهما من بلدان العالم الثالث نموذج حي على فشل اقتصاد السوق ،وهذا ما يوفر الفرصة لأن يكون للمنتدى الاجتماعي العالمي دور في صياغة بدائل جديدة ويستعيد اليسار دوره إذا ما تمكن من صياغة نظرية عمل وليس" نظرية أهداف " نظرية تتطابق وحاجة المواطنين و تتناسب مع ما يشهده العالم من متغيرات والتكيف مع اقتصاد السوق كحقيقة تفرض نفسها . وإذا كان انعقاد المنتدى في بلد عربي يحمل أكثر من معنى قد يكون أبرزه تأكيد ما حملته ثورات الربيع العربي من مضامين اجتماعية ، فانه من جانب آخر محاولة تحذير من محاولات الالتفاف عليها وسرقة أحلام الملايين من المسحوقين ودعوة غير مباشرة لقوى اليسار العربي إلى استعادة دوره المفقود وإعادة الصلات التي انقطعت مع قواعده منذ زمن من خلال عملية فرز دقيق بينه وبين الحركات الاسلاموية التي تسيدت في هذه المرحلة . وهنا لابد من الإشارة إلى أن جوهر العقيدة الإسلامية وروحها حمل وما زال الكثير من المفاهيم الاجتماعية والدعوة إلى العدالة ونصرة المظلومين ، غير انه ولأغراض مختلفة تم تشويه المبادئ الإسلامية بكثير من الأفكار المتخلفة حتى فقد مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناه الحقيقي في مناصرة الضعفاء وحمايتهم من مستغليهم ، لذا نرى إمكانية الانفتاح على قوى الإسلام السياسي وإقامة علاقات مع قواه المتنورة لفضح التيارات الاسلاموية الأخرى التي اتخذت من الدين وسيلة لخداع الجماهير وسلب إرادتها وتمييع تطلعاتها في الحرية والمساواة والكرامة وانتهاك حقوقها. ونعتقد أن حقوق المرأة يرتبط في جزء كبير منها بحرية المجتمع ووعيه ،وهو مفهوم ينبغي على اليسار العربي التأكيد عليه لتعرية تيارات شوهت الإسلام وروحه التي تدعو للتآخي والتسامح وعدم التفرقة وسعيها لإشاعة الأفكار الظلامية الطائفية بأسوأ صورها .
وعن حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الاجتماعية في المنطقة العربية ، فمن الإنصاف الإشارة إلى الدور الكبير الذي أسهمت فيه التقنيات الحديثة في الثورات الشعبية الكبيرة التي حدثت في تونس وانتقلت إلى مصر وليبيا واليمن وما لعبته من دور كبير في كشف فساد واستغلال الأنظمة المبادة للملايين وقدرة الشباب الفائقة والخلاقة على قيادة التظاهرات الاحتجاجية وتصعيدها لتكون ثورة تؤكد مرة أخرى القدرة على ما يمكن أن تمارسه هذه التقنيات من دور في الثورات الشعبية . وإذا كانت هذه التجمعات الشبابية قد عملت بمعزل عن الأحزاب السياسية ، فإن الواضح من مجريات ما يحدث في بلدان الربيع العربي إن صح التعبير أنها لايمكن أن تعمل من دون تنسيق كبير وتعاون مع التيارات اليسارية لتحقيق كامل أهداف الثورة ، في نفس الوقت فإن من واجب التيارات العلمانية إيجاد قواسم عمل مشتركة مع مجاميع الشباب واستحداث لغة تخاطب معها. ونعتقد أن الخطوة الأولى تبدأ في تطعيم قياداتها بدماء شابة لأنها الأقرب إلى التفاهم والحوار مع هذه التجمعات الشبابية . مرة أخرى نعترف بأننا هنا لم نف الموضوع حقه بالكامل ولكن حسبنا هذه المشاركة المتواضعة مع إيمان لا يتزعزع بقدرة اليسار على استعادة زمام المبادرة إذا ما أحسن فهم ما يجري في المنطقة .