بدأ المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مهمته الجديدة على حواف منطقة النار .. ابتعد عن دمشق, فزار الرياض واسطنبول وطهران وبغداد, وكأن الحل يكمن في واحدة من هذه العواصم, أو فيها مجتمعة, وكأنه يجهل أن الحل متوفر في دمشق, التي يبدو أن نظام الحكم فيها لم يصل بعد إلى قناعة بأن العنف لن يجلب غير مزيد العنف, وأنه يعقد المسألة, وينأى بالبلاد عن طريق الخروج من الأزمة الطاحنة, بأقل قدر من الخسائر, التي تضرب بنية الدولة السورية والمجتمع السوري.
لايملك الإبراهيمي عصاً سحريةً لحل المعضلة السورية, لكنه أيضاً لايتوفر على خطة محددة للبدء في البحث عن حل, فهو يتحدث تارة عن حل سياسي يضمن الحوار بين أطراف الصراع, ثم يقترح هدنة بين المتقاتلين تبدأ بعد عشرة أيام, ويعود ليطرح فكرة قوة دولية عربية, تعدادها ثلاثة آلاف رجل, للمراقبة والتأكد من وقف المعارك, وكل واحد من اقتراحاته غير قابل للتطبيق, بسبب الوضع المتفاقم على الأرض, وبسبب موقف فريقي الأزمة, وهو رفض الآخر من حيث المبدأ, والعمل على إقصائه من المشهد المستقبلي لسوريا, بكل وسيلة وبأي وسيلة.
تختلف وجهات نظر العواصم التي يزورها الإبراهيمي, فطهران التي تقدم دعماً كاملاً لنظام الأسد, تدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية وانتخابات رئاسية ووقف العنف, والدوحة الداعمة للثوار, تعلن أن سوريا بحاجة إلى قرار شجاع من النظام, لإنهاء الأزمة والاستجابة لرغبات الشعب السوري, وبغداد تطالب بسرعة التحرك حفاظا على "وحدة سوريا" وأمن المنطقة، وتعلن دعمها الكامل للمبعوث الدولي للتوصل إلى حل سياسي, وحسمت أنقره موقفها, وهي تقف اليوم بكل إمكاناتها في صف الداعين لرحيل الأسد, ومعها كل عواصم الربيع العربي, المحكومة اليوم من الإخوان المسلمين.
عن ماذا يفتش الإبراهيمي في هذه العواصم؟ وهل يحمل فانوساً سحرياً ينير له طريق الحل, وسط كل هذه المنعرجات, وهل ضمن قبل أن يقترح الموافقات على قوة الفصل, وعديدها لايغطي مساحة المعارك في مدينة حلب وريفها, وهل يملك ترف انتظار عشرة أيام أخرى من القتال, ستحصد حوالي ألفي روح, على أساس أن عدد القتلى يقترب من المئتين يومياً,وهل يضمن استجابة طرفي القتال لمقترحاته؟, كل هذه الأسئلة لن تجد جواباً, لأن الإبراهيمي لم يفكر لحظةً بالبحث عن جواب, وهو يماطل قبل الإعلان عن فشل مهمته.
لا النظام السوري معني بمهمة الإبراهيمي ولا معارضوه أيضاً, تلك حقيقة يدركها هذا الدبلوماسي المخضرم, لكنه يناور باحثاً عن اختراق, لن يأتي بالتأكيد نتيجةً لمساعيه, وإنما لتغير الواقع الميداني, وهو تغير سيطول انتظاره, وقد أثبتت الأحداث عجز النظام عن الحسم, ونعرف أن معارضيه لايملكون القدرة على ذلك, والمؤسف حتى النخاع, أن الشعب السوري يدفع من دم أبنائه ثمن صراع على الحكم سيدوم طويلاً ودامياً, وغير قابل للحل إلا بمعجزة, لا يمتلكها الإبراهيمي, ولا يعرف الطريق إليها.
قلنا سابقاً ونعيد أن مهمة الإبراهيمي لاتملك ساقين لتقف عليهما, وأنها محكومة مسبقاً بالفشل, لأن لاأحد معني بالبحث عن حل غير انتصاره المطلق والمستحيل, وما على المبعوث الدولي العربي المشترك غير الاقتداء بسلفه الذي لايقل عنه خبرة ومهارة.