لا أظن أن العراقيين بشتى مشاربهم المذهبية والقومية والدينية لا يدركون مخاطر التوجه الطائفي المخيف، المقيت، الهادر للدم دونما سبب عقلاني، حيث يعمل القائمون على هذا الملف وعلى تغذيته بشتى صنوف الخبث اللعين والأحقاد المبيتة، لا لتوجيه الأنظار صوب تصحيح
لا أظن أن العراقيين بشتى مشاربهم المذهبية والقومية والدينية لا يدركون مخاطر التوجه الطائفي المخيف، المقيت، الهادر للدم دونما سبب عقلاني، حيث يعمل القائمون على هذا الملف وعلى تغذيته بشتى صنوف الخبث اللعين والأحقاد المبيتة، لا لتوجيه الأنظار صوب تصحيح العملية السياسية التلفانة برمتها، بل بغرض استغلال الهياج الجماهيري للعب على الوتر الطائفي لتدخل من مساربه وثقوبه . أجندات خبيثة يخطط لها البعث الفاشي وقتلة القاعدة، متمثلين بما يسمى دولة العراق الإسلامية، وكل من تضرر من التغيير الذي كان سينقل العراق خطوات متقدمة في بناء الوطن المدمر والإنسان المحبط، بعد أن تمكن العراقيون من استعادة حريتهم التي صادرها النظام الصدامي الفاشي، لولا ذلك الخبل الذي بات من سمات السياسيين لتأزيم الوضع أكثر مما هو مأزوم.
هذا ما نبهنا له وكتبنا عنه رفقة كتاب وطنيين حريصين على بقاء اللحمة الوطنية دون تفتت سيطول الجميع بالدخول في دوامة الصراعات التي لا منتصر فيها، وسيخسر الكل دون استثناء، لتبدأ مرحلة عذابات جديدة وكأن الناس اعتادوا مازوشية غريبة في الحياة وعذاباتها.
جرى التحذير لتدارك الخلل في التسيير وإصلاح الاعوجاج الواضح في جميع المجالات، وتبيان أن في مقدمة الإجراءات التي اتخاذها توفير الخدمات العامة الأساسية وإعادة إصلاح بنيتها التحتية الخربة، من خدمات كهرباء وماء وتعبيد الشوارع وإيجاد حلول مشكلة العطالة بتشجيع المقاولات الصغرى، وحل مشكلة السكن المتفاقمة، وإنصاف المتضررين من كل الشرائح العراقية دونما تمييز مناطقي أو مذهبي، وإبداء اللين في تطبيق القوانين واحترام حقوق الإنسان، وغيرها من المشاكل التي تلامس حياة المواطن بكل تفاصيلها. والأهم من كل هذا، ملف محاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين مهما بلغت مراتبهم في السلطة، لأن هذا الشر هو الآفة الحقيقية للخراب، واعتماد الشفافية في تسيير ومراقبة الملف الاقتصادي، والضرب بيد من فولاذ على كل المتلاعبين والفاسدين وناهبي المال العام، لأنه من غير المعقول أن المواطن الذي يعيش شظف العيش مثلما كافة الناس المتعففين وكل المحتاجين، يراقبون هدر أموالهم وهي تذهب لجيوب اللصوص ولا من رادع أو إجراء يحد من هذا التلاعب الخطير بمقدرات البلد ويرهن الناس تحت طائلة الفقر والحاجة، وهذا الهدر المخيف للمال العام على أيدي من يفترض أنهم الأحرص عليه، لنكتشف أنهم هم اللصوص والحرامية وتشكيل مافيات من الحوت الكبير في السرقات للثراء الفاحش.
يا من تريدون من المواطن أن يساهم في استتباب الأمن، كيف يتسنى له أن يفعل ذلك وأطفاله يتضورون جوعا ومستقبله وعائلته يضيع في متاهات لا أمل في إيجاد من يخفف عنه إكراهات الحياة المتفاقمة؟
ناهيكم عن الملف الأمني الخطير، وغياب الآليات الموضوعية لإيجاد الحلول له ،وتفاقم الوضع السياسي، والتجاذب المستمر بين كل الكتل التي تقود البلاد إلى الهاوية، فلا سيادة للمركز ولا احترام للإقليم، والشد والجذب على أشده.
كل هذه المخاطر المحدقة التي كانت تلوح في الأفق، لم يؤلها المسؤولون أدنى اهتمام وتقدير لمدى خطورتها. وها نحن وصلنا إلى حيث لا نصيب للترقيعات التي قد تقوم بها الحكومة لتدارك الانزلاق الخطير الذي نحن ذاهبون إليه، وهو كالطوفان الذي سيجرف الجميع وقت لا يمكن تلافيه، إذا ما اشتدت وطأته وبلغ الذروة.
فهل هذه مواصفات الدولة القوية بهيبتها وسلطتها التي ينبغي أن يحترمها الجميع؟!
ما يحدث في الأنبار ليس وليد اللحظة، ولا هو بسبب قضية العيساوي، ومن قبله الهاشمي، أو كل القتلة والإرهابيين الذين هم في السلطة، ومن قصورهم المطوقة بقوى أمنية لا حصر لها، حيث غزتنا الدهشة والحيرة ونحن نكتشف أول مرة، أن العيساوي وحده يحرسه 200 عنصر أمن مدفوعي الأجر…!، فكم هو عدد الحراس لكل مسؤولي العراق؟ وكم تبلغ ميزانية رواتبهم؟ وتلك الأجهزة هل هي جزء من قوى البلد الأمنية؟ وما دورها في مسلسل القتل الهمجي اليومي للأبرياء؟ إنه لغز محير فمن يتكرم علينا بالجواب الشافي؟!
إن ما يحدث في المنطقة الغربية هو بسبب تجمع كل هذه السلبيات، طيلة عقد التغيير، دون أن تنتبه الحكومات المتعاقبة لمخاطر التجاوزات المرافقة لفترة بسط مسؤوليتها على كل مرافق الدولة ، أرضا وشعبا، وتركت الحبل على الغارب دون معالجات جدية لمشاكل المواطن المغلوب على أمره، حيث كان العراق يعيش حالة من الهدوء النسبي، وبعد أن برد فتيل القنبلة الموقوتة التي كان على السياسي المحترف والفطن التنبه لها، وتوقع إمكانية تفجرها في أية لحظة، خصوصا مع تفاقم حالات البؤس والفقر والحرمان.
لعلني أجد المسؤولين بذات العناد والعنجهية، والأمور في طريقها للتصعيد يوما بعد آخر، وهم من يسعّر لهيب المواجهات وتعاظم الاحتقان الجماهيري، ولا من مؤشر يغير اتجاه بوصلة المد الشعبي المتعاظم. ولعله يمتد على كامل الأرض العراقية، إن لم يبادر الجميع لتهدئته.
إن البعث المنهار بأزلامه المندحرين ومجرمي القاعدة يتحينون الفرص للإمساك بهذه اللحظات الذهبية لهم، لتأجيج المشاعر واستثمار هذا الغضب الجماهيري للسعي إلى خلق البلبلة بأمل حدوث شرخ كبير في العملية السياسية، وتفاقم الاحتراب بين جميع الفصائل، وبالتالي تتهيأ الفرصة للانقضاض على العملية برمتها.
أجدني أسمع القهقهات من لدن المسؤولين لهذه التحذيرات، وهنا تكمن المصيبة، حين يبلغ الأمر بالمسؤولين حد بناء أسيجة من الإسمنت على كل مجساتهم وتعطيلها، وهذا منتهى التخلف السياسي.
نلاحظ من الحراك الجماهيري في المنطقة الغربية، أن جل العراقيين المتضررين يباركون هذا التوجه، إذا كان سلميا بطرق قانونية ودون تكريس للطائفية المقيتة، وهكذا نجد تأييدا كبيرا من مناطق جنوبية وشمالية وفي الوسط، يريد مثل هذا الحراك بعد أن بلغ بالناس اليأس حدود اللامعقول لتنظيف البلد من السراق، لكننا نؤاخذ على المشاركين في هذا الحماس الذي لا نتمنى أن ينفلت، وجود مظاهر تخيف الناس، وتتوجس من بعض المشاركين، منها رفع رايات صدام حسين القديمة، وسماع بعض الشعارات التي تمجد الحكم المنهار وتصب في مستنقع الطائفية، ورفع صور وهتافات تجعل المراهن على هذا الحراك يتوجس خيفة استثماره لصالح المقيتين من أزلام الحكم الصدامي وتبتعد بوصلته عن التوجه الوطني وحسب.
ألم نقل لكم أن تنتبهوا لمثل هذه المفاجآت أيها السياسيون؟ لكنكم سددتم آذانكم بالطين والعجين، والتهيتم بالنهب والسرقات، وليذهب كل العراقيين للمحرقة، ولكن تمهلوا قليلا يوم لا تنفعكم، لا الأموال التي نهبتموها وحولتموها لحساباتكم في الخارج، ويوم لا ينفع الندم، وستجرون والله جرا، إلى حيث كلمة القضاء العادل. ساعتها تلاقون ذات المصير الذي طال الإرهابيين، لأنكم ببساطة لا تختلفون عنهم وتلتقون في ذات التصنيف والفعل.
هم يقتلون الأبرياء بشكل مباشر بدم بارد، وأنتم تقتلون الناس بشكل غير مباشر من خلال سرقة قوتهم وتركهم عرضة للهلاك،بدم أبرد. فلا فرق بينكم وبين القتلة الإرهابيين، لأنكم جميعا تسعون للخراب والتدمير.
ونقول لهؤلاء المنتفضين حذار من اللعب بالنار والعزف على وتر الطائفية المقيت، لأنكم ستخسرون كل شيء حتى الوطن الذي هو ملاذكم الوحيد…..
* شاعر وكاتب عراقي مقيم في المغرب










