مصطلحان أساسيان يمثلان الموقع المحوري للوجود البشري سياسياً واجتماعياً وحضارياً: الثقافة والتربية، وإن خصوصية كل مجتمع تتمثل في مقدرته على العطاء الثقافي النابع من الذات، من التاريخ المتجدد كما تتجلى في المقدرة على تنشئة الأجيال –أفرادا وجماعات
مصطلحان أساسيان يمثلان الموقع المحوري للوجود البشري سياسياً واجتماعياً وحضارياً: الثقافة والتربية، وإن خصوصية كل مجتمع تتمثل في مقدرته على العطاء الثقافي النابع من الذات، من التاريخ المتجدد كما تتجلى في المقدرة على تنشئة الأجيال –أفرادا وجماعات- تنشئة تيسر التكيف مع العصر وإعداد جيل مقتدر قادر على الهضم الواعي لتراثه، على التفاعل الايجابي مع الأصيل والدخيل، فلا غرو إذن أن يتصف الخطاب العربي في عديد المراحل التاريخية والثقافية، قديمها وحديثها –بتركيز الاهتمام على- مسألة الخصوصية الثقافية، وخاصة حينما تسخر أو تفرض ظروف التفاعل والتأثر والتأثير، إن التفاعل مع الآخرين يكاد يمثل إحدى سمات ديناميكية النهضة الثقافية والعلمية سواء –وعلى سبيل الذكر- في العصر العباسي الأول أو منذ القرن XIX ومرحلة النهضة خاصة مع اختلاف في طبيعة الظروف السياسية والايديولجية التي يسرت أو فرضت التأثر والتأثير، التفتح الواعي أو التفاعل المفروض، هل التاريخ يعيد نفسه أم أن الحاضر لا يشبه البارحة القريبة والبعيدة؟ إن صيرورة التطور هي دوماً في علاقة جدلية بمواقع النفوذ والتأثير، وهذا يعني أن التاريخ ليس ستاتكياً. إن ما طرأ من تحولات على مستوى وسائل الإعلام والاتصال المتطورة هو أيضا في صلب العلاقة الجدلية بمركزية مواقع النفوذ بمختلف أصنافها ودرجات تأثيرها في حياة الأفراد والجماعات. تحديّات عديدة فرضها ويفرضها الوضع الاتصالي العالمي الجديد والمتجدد الذي لم يكن من اليسير تجاهله لا سيما في ظل عولمة امتدت إلى تركيبة الأنماط الثقافية والممارسات السلوكية فأحدثت تغييرات جوهرية امتدت بدورها إلى الوظائف التقليدية للثقافة لوسائل ومصادر التثقيف والتربية. إن ظاهرة انتشار السواتل تطرح اليوم على عديد البلدان –بما فيها تلك التي تنتج التكولوجيا الحديثة خاصة –إشكالية المواكبة وخلق الظروف المادية والفكرية والبشرية لمجابهة ما يجره البث المباشر من أنماط ثقافية وتمثلات وقيم مستهدفاً وباستمرار إعادة تحديد مفهوم المشاهد –الحريف المستهلك- الذي يمثل العنصر المحوري في مجال التسويق الاستراتيجي. إن الانخراط الفعلي في البث والاستقبال عبر الأقمار الصناعية –إذ هو يعكس ضرورة بل حتمية الحضور الاتصالي- فهو لايزال يطرح عديد التساؤلات وخاصة تلك التي تتمحور حول حاضر ومستقبل المقومات الأساسية لخصوصية كل مجتمع إن ثقافياً أو حضارياً الخطاب العربي المعاصر تأرجح ومازال يتأرجح حسب الفترات التاريخية والشرائح الاجتماعية –الثقافية بين التخوف والانبهار، بين التردد والسعي إلى المواكبة (الغزو الثقافي)، (العنف الثقافي)، (الاختراق الثقافي والإعلامي)، (الإرهاب التكلوجي) مصطلحات كثيرة التداول تعبر فضاء الندوات والملتقيات العربية، وهي في صلب الحوار تارة والصراع الصامت أو الصريح أحيانا بين (نحن والآخرين، علماً بأن خلفية التحدي والرهان بل موقعها المحوري مسألة الهوية ومصير الخصوصية العربية لغة وديناً وثقافة وتراثاً.. إن مسألة الهوية في علاقتها بما يفيد من المضامين الثقافية عبر القنوات الفضائية أو من خلال ما تبثه القنوات الوطنية باللغات الأجنبية باتت فعلاً ذات أهمية وخاصة في إطار العولمة وتفاقم التأثيرات الخارجية سياسية كانت أو اقتصادية.. المسألة ليست زائفة ،بل يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن أزمة الهوية ليست (عميقة ومدمرة فقط في العالم العربي) إنما هي (أقسى –ما يمكن أن تعرفه جماعة، لأنها (تمس الكائن الاجتماعي في أعماقه أي فيما يكونه كوعي أول ومصالح متميزة ووجود جماعي). إن التصدي للاختراق الثقافي يفرض تجاوز خطاب الرفض أو التشكي سعياً إلى مواجهة الأسباب الداخلية وهي متعددة متداخلة تعكس واقعاً عربياً معقداً في صلبه تتشكل مواقع إشكالية الهوية وطنياً وقومياً، إن التلفزيون باعتباره وسيطاً اتصالياً جماهيرياً يندرج في صلب المواجهة أي في التغيير بل الإسهام في تغيير الظروف المادية والفكرية التي تدفع إلى ذوبان الذات والإخفاق في السيطرة على مقومات التنمية الحضارية والفاعلية في هذا العالم، إن منزلته في الفضاء الاجتماعي –الثقافي وفضاءات التنشئة الاجتماعية خاصة من شأنها أن تبرر البحث في طبيعة المساهمة للتلفزيون العربي أي في تجذير و/أو تدعيم و/ أو حماية الذاتية الثابت منها والمتجدد أي مفهوم للهوية وأي صورة للثقافة تعكسها البرامج التلفزيونية العربية؟ هل مضمون البرامج يجسم مفهوماً –للهوية وللثقافة- متجدداً متفاعلاً مع المتغيرات السياسية والفكرية والعلمية المعاصرة؟
عن مجلة الاذاعات العربية