كيف يُمكن لتجارب الوعي المختلفة، كالإحساس بالألم والجوع والسعادة والنشاط، أن تحدث في خلايا المخ المادية، وهي جسيمات يفترض بها أن تكون جامدة؟ صحيح أن العقل يعمل من خلال معالجته المفاهيم بالذكريات بالمعطيات الحسية، لكننا لا نعرف كيف ينطلق المفهوم من خلايا المخ لحظة استدعائه. بعبارة أخرى: ما الذي يحدث داخل مجموعة خلايا المخ ويتسبب بحدوث عملية وعي الإنسان بالمفهوم المُستدعى؟
إن فهمنا لكيفية عمل الأعصاب والإشارات الكهربائية التي تنتقل بينها لا يكفي لشرح وتوضيح الطبيعة الساحرة للوعي البشري. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيف يمكن لحالات الوعي -التي هي حالات لا مادية بالتأكيد- أن تؤثر بالمادة؟ لماذا يستجيب الجسد للإرادة، وما هي الإرادة؟ نحن نستطيع أن نفسر القوة العضلية المحركة للذراع، لكن ما لا نفهمه هو طبيعة العلاقة والاتصال الذي حدث بين الإرادة وبين العضلة، ولا اقصد هنا الإشارات التي تنتقل بين المخ والعضل لينتج عنها تحرك الأخير، بل أقصد تحول الإرادة إلى أمر محدد، تطبقه العضلة دون تأخر.
هذه مشكلة فلسفية أكثر منها علمية ـ إذ العلم لا يوجع رأسه بمثل هذه الأسئلة، ربما هو يراها متكلفة وغير ذات جدوى ـ والفلسفة اجتهدت بالبحث في الإجابة عليها، لكنها لم تصل بنا لمرفأ مقنع. فهناك من رفض الاعتراف بوجود بعد غير مادي لهذه المشكلة، ثم تكلف بإرجاع جميع تفاصيل العملية إلى المخ والخلايا والإشارات وما إلى ذلك. وهناك من جمع بين المادي و"العقلي" رافضاً اختزال عملية الوعي ببعدها المادي فقط.
وأنا هنا لا أريد أن أدلي بدلو في قضية هي اكبر من أن يتم البحث فيها بهذه السهولة، لكني أريد أن أحزن على نفسي الآن؛ فقد تذكرت هذا الموضوع وأنا أبحث بين أوراقي التي تتضمن مشاريع مؤجلة، تلك التي أجلت التأمل فيها أجل التفرغ لمتابعة وتحليل، ردود أفعال القائمة العراقية على دولة القانون، أو لمحاولة التنبؤ بما ستؤول إليه الأزمات التي تنشب باستمرار بين بغداد وأربيل، أو احتمالات تفتت التحالفات على هامش الانتخابات المقبلة. وسبب الحزن هو أن كل المواضيع السياسية هذه عبارة عن أفعال ونوايا وأهداف مجموعة رجال غير مهمين بالنسبة لي على الإطلاق، لكن القدر الذي وضعهم موضع المتحكمين بمصيري ومصير من أحب، هو الذي جعلهم بالمركز من اهتماماتي، ويالها من اهتمامات بائسة، أنا الذي كنت أعد العدة لاستثمار فرصتي بالحياة بشكل أمثل، أبدد هذه الفرصة بملاحقة أزمات ومشاكل وفساد السادة السياسيين.. ياله من فشل ويالها من حياة رخيصة جداً.
يالها من اهتمامات بائسة
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
عمران عباس
انها فعلا حياة بائسة ورخيصة نلك التي تجعل مجموعة من السذج والاميين هم من يحدد لنا مساراتنا ويحدد اولوياتنا في الحياة