كل سياسة تستبعد الكفاءة خاطئة. هذا قانون يسري على كل أعمال البشر. والناس تتبعه دائما عن فطرة أو علم. كل صاحب مشروع ملزم أن يستعين بالأكفاء اذا أراد له النجاح. فأنت لن تبني بيتك بتصميم يرسمه فلاح. ولن تؤسس حقل دواجن بمعلم مدرسة، ولا صحيفة بلاعب كرة قدم، ولا مصنع أحذية بفرقة سيمفونية.
هذا قانون طبيعي، سارت به الأمثال، ونطقت به الحكمة على مدار التاريخ، واعتمدت عليه كل الأعمال، ولا تكاد تشذ عنه احيانا الا السياسة. ولعل هذا الشذوذ هو أكبر حماقات البشر، لأن السياسة أهم أعمال البشر، فوظيفتها هي الحفاظ على مصائر الشعوب، وتوجيهها نحو التحسن والتطور. وهي لا تستطيع أن تفعل ذلك الا اذا وضعت الأشياء في نصابها. والأشياء توضع في نصابها فقط بإعمال معادلة الشخص المناسب في المكان المناسب. فإذا اختل العمل بهذه المعادلة حل الإضطراب وبدأت دورة الفوضى.
جوهر الخطأ في الأنظمة الدكتاتورية والتسلطية يكمن في استبعاد الكفاءة، في نسف قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب، في العمل على هواها، بمعزل عن ذلك القانون البسيط، عميق الأهمية، والخالد. والنتيجة المباشرة للسياسات العشوائية، الضاربة لقانون الكفاءة، هي هجرة العقول. والعقول التي تعب المجتمع، وأنفق وبذل، من أجل تكوينها، هي أفضل وأهم منتجاته، لأنها أدواته في التحسن والتقدم والإرتقاء.
وكان نزيف العقول ظاهرة لازمت كل منعطفات العصر الجمهوري في العراق. فكل انقلاب، أو خضة، أو حرب، كان بمثابة مناسبة هجرة للعقول. 1958 ،1963، 1968 ، 1979، 1980- 1988، 1990،1991، ثم الحصار الدولي، 2003، 2006 - 2007 ، والحبل على الجرار. ولعل العراق بذلك أصبح أكثر بلد طارد للعقول في العالم.
إن من المسلم به وجود عدد هائل من الكفاءات العراقية في الخارج، من مختلف الأعمار وفي كل المجالات، من علوم الطبيعة والرياضيات والتكنولوجيا الى العلوم الانسانية والآداب والفنون. والعراقي، شأن مواطن اي بلد من بلدان العالم، محب لبلده، راغب بخدمته، وآمل بالمشاركة في صنع حياة طبيعية لوطنه. ولكنه محروم من امكانية تحقيق تطلعاته هذه بسبب ظروف عدم الاستقرار، وبسبب استمرار تحكم ظاهرة الفوضى في البلاد.
ولكم تمنيت أن يكون هناك جهد قد بذل من أجل وضع قائمة تحوي اسماء وتخصصات وأعمال وخرائط تواجد الكفاءات العراقية في بلدان العالم. مجرد قائمة. ولا أظن انها اذا وجدت ستكون مجرد قائمة. فهي حتما ستكون شيئا أكبر من ذلك. ولعل الأقل أهمية فيها سيتمثل في كونها وثيقة ادانة للسياسة في البلد. اذ لا يمكن أن تكون هناك سياسة صحيحة وهي لا تعمل وتكد وتجهد من اجل استقطاب كل تلك الكفاءات. أما الأكثر أهمية في مثل تلك القائمة فهي أنها ستشكل علامة أمل، وعنوان عافية. فالأمور لن تبقى سيئة على الدوام. ولابد أن يحين موعد لوقت صحيح. وعندها يكون العنوان موجودا.
سندوخ مع كل حاكم وكل حكومة تتولى أمر هذه البلاد، ونتساءل عما يريده أو تريده. ولن نقع الا على أسوأ الأجوبة طالما ظلت الكفاءة مستبعدة، والأسوأ من ذلك أن تكون مطاردة، كما هي الحال مع رجل مثل سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي. ان توقيعه موجود على أوراق النقد الوطني الى اللحظة يا ناس! أي انه بسبب ذلك على الأقل تحول الى رمز وطني. ومع ذلك فإنه ملاحق بمذكرة القاء قبض. نائبه الخبير المالي مظهر محمد صالح موقوف. وينفق القاضي رحيم العكيلي الرئيس السابق لهيئة النزاهة وقته في الرد على اتهامات.
ماذا يبقى في العراق من عقل والسياسة فيه تجاوزت استبعاد الكفاءة الى مطاردتها؟
مجرد قائمة
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 1
smh
الدين ينتعش في الشعوب المتخلفة ٬واصحاب الكفائات يساعدون في قلب هذه المعادله٬فكيف يمكن لهذه الامنيه ان تتحقق في مجتمع متدين؟