هذا هو شعار ملوك ورؤساء هذه المنطقة من العالم. لا أحد خرج منهم من "الخدمة" الى "التقاعد". ولعل السبب هو أن حكمهم لم يكن "خدمة" حتى ينتهي بـ "التقاعد". والملكية بطبيعتها حكم مؤبد لا تقاعد منه. ولكن الديمقراطية حولتها من سلطة مطلقة الى سلطة رمزية. هذه هي حال ملكيات أوروبا اليوم. ولعل هذا هو نوع التقاعد الممكن للملوك. أي أن تكون وظيفتهم رمزية.
لكن ما من ملكية واحدة عندنا فعلتها وتقاعدت على هذا النحو. انها على العكس من ذلك كسبت الجمهوريات الى صفها. لا بل ان رؤساءنا الجمهوريين صاروا ملكيين أكثر من الملوك أنفسهم. فهم لم يكتفوا بالامتناع عن التقاعد فحسب، وإنما شرعوا في خطط لتوريث أبنائهم. كما زوَّدوا أنفسهم بسلطات لم يفكر الملوك بمثلها. سلطات مطلقة تماما. وفي حالة ايران أصبح سلطان "مرشد" الجمهورية مطلقا ومقدسا بعدما كان سلطان الملكية مطلقا فقط.
وكانت ثورات الخمسينيات والستينيات العربية، كما الثورة الايرانية أواخر السبعينيات، قد شقت طريقها الى السلطة تحت راية الحرية. والحرية، أو الديمقراطية، في أحد أهم وجوهها، تتمثل بتحويل الحاكم، ملكا كان أم رئيسا، من أب مطاع وسلطان حاكم بأمره، الى موظف مطيع وملتزم بأمر القانون. أي نعم انه الموظف الأول، الأهم، صاحب الصلاحيات الأكبر، والمكانة الأرفع في الدولة. ولكنه قبل ذلك وبعده موظف يعمل عند الدولة، يتقاضى منها راتبا، ولا يملك أن يتصرف في مالها ولا جيشها ولا أهلها إلا وفقا للقانون. فهو أداة الحكم. أما الحكم ذاته فهو بيد القانون لا بيده.
ولكن هذا يحدث في "دولة القانون". وهي لم تحط بعد في ربوع المنطقة. صحيح أن بعضهم، شأن الأستاذ نوري كامل المالكي، اتخذ من "دولة القانون" اسما لكتلته الحاكمة، ولكنه" قَلَبَ" في أول فرصة بالجيش والشرطة والمخابرات من قبل ان تقوم الدولة اصلا. والرجل عبَّر أكثر من مرة، وبقوة، عن كرهه لـ "الربيع العربي". وهو كره لا يأتي من فراغ. وتشاركه فيه الأغلبية من الأنظمة السياسية المتشابهة والمختلفة في المنطقة، بالاضافة الى جمهور كبير من المنطقة. ذلك أن "الربيع العربي" كان وعدا برؤساء وملوك يتقاعدون، كما كان أملا بـ "دولة القانون". وهو في كل الأحوال خطوة في الطريق لتحقيقها.
أي نعم ان تلك الخطوة الى الأمام ربما تراجعت خطوتين أو أكثر الى الوراء. ولكن ثورة "الربيع العربي" لم ترحل الى القبر، وإنْ دخلت خريفا أو غدت شتاء. فالصراع بين مفهوم "الرئيس الموظف" و"الرئيس المطلق" لا يزال قائما ولن يتوقف. ان "الرئيس الموظف" مفهوم جديد يريد أن يشق طريقه في تربة المنطقة، ويأخذ محل "الرئيس المطلق" صاحب بيت المال والجند. ولعل الصراع بين المفهومين يظهر بأكثر صوره وضوحا في مصر. فالرئيس الإخواني، مع حلفائه، يخوض صراعا شديدا، وعلى جبهات كثيرة، من أجل "تمكين" نفسه، وصولا الى اعادة انتاج "الرئيس المطلق"، وعلاوة على ذلك برداء من أردية القداسة.
وبطريقة أو أخرى فإن بيوت السلطة والحكم في العالم العربي والاسلامي تقف الى جانب مرسي خصوصا، أو الى جانب اعادة تثبيت نظام "الرئيس المطلق" عموما. فالجميع يخشى أن تكر عليه سبحة التقاعد اذا نهض نظام "الرئيس الموظف" وثبَّت أقدامه على الأرض. الثقافة السياسية السائدة تحاصر بدورها مفهوم "الرئيس الموظف". وليست الموجة الطائفية إلا نوعا من أنواع هذا الحصار. الحصار على أمل "الرئيس الموظف" الذي يحدد له القانون وقتا معينا للسلطة، وميعادا ملزما للخروج منها الى التقاعد.
جميع التعليقات 1
smh
الجسم ينتج افكار٬حيث يحتاج الى طاقه من اجل الانتاج٬وهذه الطاقه تآتي من الطعام ٬ فما هو نوع الطعام اللذي تتناوله من اجل انتاج هذه الافكار الرائعه ؟