صرخات عالية وعويل انطلقت من بيت الحاجة (ل) التي تقيم مع ابنتها الطالبة في أحد المعاهد الفنية... أسرع الجيران والمارة المتواجدون في الشارع الى مصدر الصرخات لاستطلاع الأمر وما أن دخلوا إلى البيت حتى استقبلهم مشهد بشع ... الأم ملقاة على الأرض وسط بركة م
صرخات عالية وعويل انطلقت من بيت الحاجة (ل) التي تقيم مع ابنتها الطالبة في أحد المعاهد الفنية... أسرع الجيران والمارة المتواجدون في الشارع الى مصدر الصرخات لاستطلاع الأمر وما أن دخلوا إلى البيت حتى استقبلهم مشهد بشع ... الأم ملقاة على الأرض وسط بركة من الدماء ... وابنتها ألقت بنفسها فوقها وهي تبكي وتنتحب وتصرخ في هستيريا ... ماما ... ماتت ... منو الي قتلها ..؟ أسرع الجيران إلى حمل الابنة وإبعادها عن جثة أمها ... وبادر البعض بإحضار غطاء سرير لتغطية جثة الأم ... وسارع آخرون بالاتصال بشرطة النجدة للإبلاغ عن الجريمة البشعة ... معلومات الشرطة وتحرياتها استبعدت أن يكون الغرض من الجريمة هو السرقة نظرا لتواضع الحالة المادية للام القتيلة وعدم وجود ما يغري اللصوص باقتحام المنزل ... كما أكدت المعلومات بعدم وجود أية عداوات شخصية بينها وبين أي شخص تدفعه لقتلها ... بدأت شكوك الشرطة تتجه نحو الابنة لعدة أسباب منها أنها الشخص الوحيد الذي يقيم مع والدتها ... وأيضا شهادة الجيران الذين اكدوا ان الابنة كانت دائمة الشجار مع الام التي كانت تبدي اعتراضها على سلوك ابنتها ... وجاء تقرير الطب العدلي ليحسم كل الشكوك عندما أكد ان جريمة القتل وقعت في منتصف الليل تقريبا أثناء وجود الابنة (ك) مع امها في المسكن وهو ما يناقض أقوالها وشهادتها أمام الشرطة عندما أكدت أنها تركت أمها سليمة بالمنزل عند مغادرتها في الصباح متوجهة الى المعهد الذي تدرس فيه ... ولم تكتشف الجريمة إلا بعد عودتها للمنزل أي أن الجريمة حدثت في الصباح ... وعندما استقدمتها الشرطة على ضوء معلومات التقرير الطبي انهارت واعترفت بارتكاب الجريمة ... وبعد الاعتراف الابتدائي أمام ضابط التحقيق بدأت تروي لقاضي التحقيق الأسباب التي دعتها لارتكاب هذه الجريمة البشعة بحق أمها! لقد نشأت في أسرة صغيرة تضم أبي وأمي اللذين لم ينجبا سواي ... وهو الأمر الذي ساهم في تدليلي وتلبية كل طلباتي وكانت أحلامي مجابة في كثير من الأمور ... وربما كانت هذه هي الغلطة الوحيدة التي ارتكبها والداي في حقي لأنني نشأت ضعيفة الإرادة ومدللة لأقصى درجة وعصبية المزاج .. أثور لأتفه الأسباب ... ولا أتنازل عن أي شيء إلا بعد تحقيقه وتلبيته في الحال مهما بلغت صعوبته ... وبعد وفاة والدي ... وأثناء وجودي في المعهد تعرفت على زميله لي في المعهد الذي كنت ادرس فيه ونشأت بيننا صداقة قوية وتوطدت العلاقة بيننا وأصبحنا لا نفترق سواء في المعهد أو خارجه ... أكثر ما لفت نظري في هذه الصديقة أناقتها وملبسها الجميل وماكياجها الباهظ الثمن على الرغم من تواضع مستوى أسرتها ماديا ... ما أصابني بدهشة كبيرة ودفعني لسؤالها ... من أين تأتي بهذه الأموال الغزيرة التي تساعدها على شراء هذه الملابس الغالية والإكسسوارات الثمينة رغم تواضع مستوى أسرتها! وكانت إجابتها بالنسبة لي مفاجأة من العيار الثقيل عندما اكدت لي ان الموضوع سهل جدا ولا يكلفها الا ساعتين فقط تمضيها مع احد الشباب في سيارته او محله وتخرج بعدها ومعها 100 الف دينار على الاقل ! وقالت لي ... انت تمتلكين جسدا جميلا وبإمكانك ان تحصلي على مبالغ مالية كبيرة لو نجحت في استغلال جسمك وإغراءك على الأقل ! في البداية صدمتني كلماتها الوقحة ولا أقول الجريئة وفكرت في قطع علاقتي بها بعد ان علمت بسلوكها المشين .. ولكني عاودت التفكير في كلماتها ... بإمكاني ان أحقق كل أحلامي ... الملابس ... والحلي الذهبية والعطور الغالية وأيضا تسديد الديون التي تراكمت علينا ... وأبلغت بعد أيام صديقتي بموافقتي على كل طلباتها ... رغم أن أمي لم تبخل عليّ بشيء ... كانت تمنحني كل ما أريده من فلوس لشراء الملابس الجديدة على الرغم من ضآلة راتب أبي التقاعدي الذي كان مصدر الدخل الوحيد لنا ... مما اضطر والدتي للاقتراض من الجيران والأقارب ... ولم تترك احد إلا واقترضت منه مما أدى ذلك لتراكم الديون علينا ! .. وصمتت (ك) لحظة قبل أن تواصل حديثها قائلة .. لم ارحم أمي على الرغم من أنني السبب في كل المعاناة التي تعانيها والديون التي تراكمت عليها ... واستمررت اطلب من والدتي المبالغ التي أريدها ... وساءت على ضوء ذلك علاقتي بأمي الى أقصى درجة وأصبحت الخلافات والمشاجرات بيننا عادة يومية ... لا تنقطع أتهمها بالبخل وهي تتهمني بالإسراف ... وأخيراً هددتها بالعمل مع صديقتي ... وبيع جسدي لكل من يدفع أكثر ... في هذه الأثناء وصلت علاقتي بأمي إلى طريق مسدود وأصبحنا نتشاجر يوميا لأتفه الأسباب وزادت خلافاتنا بعد أن بدأت تلاحظ قيامي بشراء ملابس جديدة باهظة الثمن وبدأت تشك في تصرفاتي وتراقب مكالماتي التليفونية وأخيرا بدأت تمنعني من الخروج من البيت بعد أن تأكدت من سوء سلوكي! وبطبيعة الحال تمردت على قيود أمي وخاصة بعد ان تعودت على الإنفاق ببذخ ولم اعد اصبر على الجلوس بالمنزل والاكتفاء بالفلوس القليلة التي نتقاضاها من راتب والدي التقاعدي ... وقررت العودة إلى حياتي التي اخترتها بإرادتي مهما كان الثمن حتى لو تركت منزل أمي وبدون رجعة! وواصلت (ك) اعترافاتها قائلة ... جمعت ملابسي ووضعتها في حقيبة كبيرة وانتظرت خلود أمي للنوم وبعد العاشرة مساءً تسللت من غرفتي متوجهة إلى باب البيت ... وكانت المفاجأة أن أمي احتاطت لهذه الخطوة وقامت بإغلاق باب البيت بالمفتاح ... فشعرت بغضب شديد وتوجهت إلى غرفتها وظللت ابحث عن المفتاح في كل مكان مثل المجنونة إلى ان استيقظت أمي على صوت الضجة الصادرة عني ... وسألتني عن الشيء الذي ابحث عنه ... فأكدت لها أنني ابحث عن المفتاح لأنني أريد أن أغادر البيت وأغادر حياتها ... وإنها لن تسمح لي ببيع جسدي ... بعدها اشتبكنا معا وظلت ضرباتها تنهال علي وعلى كل أجزاء جسدي ولم ادري بنفسي إلا بعد ان التقطت سكينا موضوعا على المائدة وظللت اطعنها في كل أجزاء جسدها ... وتفجرت الدماء غزيرة وسقطت على ارض الغرفة جثة هامدة ! وهنا فقط تنبهت إلى الكارثة التي ارتكبتها ... لقد قتلت أمي ... قتلت الإنسانة الوحيدة التي أحبتني في هذه الدنيا ... قتلتها لأنها كانت تريد ان تحافظ عليّ ! ... قتلتها لأنها كانت تريد أن تصون شرفي وعرضي !... وبعد ارتكاب الجريمة قمت بارتداء ملابس أخرى غير الملابس الملوثة بالدماء واعدت ملابسي التي كانت في الحقيبة لمكانها وغادرت البيت في الصباح كالمعتاد متوجهة إلى المعهد وتعمدت أن يراني الجيران أثناء خروجي حتى ابعد التهمة عن نفسي ... وعدت في نفس موعد عودتي من المعهد وتظاهرت باكتشاف الجثة ... وأخذت اصرخ وابكي والجميع يحاولون تهدئتي ... وأنهت (ك) اعترافاتها أمام قاضي التحقيق ووجه إليها سؤال أخير ... قائلا لها : كيف استطعت أن تمضي ليلة كاملة بجوار جثة أمك التي قتلتيها بيديك ! أجابت بكلمات تقطر أسى وندما ... جلست بجوارها ابكي وأحدثها وأطالبها بان تسامحني ... وظللت اقبلها وفكرت في أن اطعن نفسي بنفس السكين التي قتلت به أمي ولكنني تراجعت في آخر لحظة !