لقد شهدت السنوات الاخيرة تزايدا ملحوظا في تبني مفهوم الحوكمة او الحكم الصالح من قبل الكثير من الدول سيما النامية منها وغالباً ما كان يتم الربط بينه وبين التنمية والاصلاح الاقتصادي فضلاً عن دوره في اعادة هيكلة العلاقات الاجتماعية حيث تشهد المؤسسات والآليات التقليدية للحكم والمساءلة تغيرا سريعا في العديد من البلدان ذات الموقع المتقدم في الاعتراف بأهمية الحوكمة او الحكم الصالح بما يهدف الى تقليل الازمات السوسيولوجية والاقتصادية وامام ذلك يمكن ان تثار مجموعة اسئلة منها هل الحكم الصالح يؤدي كل ذلك الدور فعلاً؟ ولماذا تتم الدعوات له حالياً ؟ وما هي العلاقة بينه وبين التنمية؟
ابتداءً لابد من الاشارة الى معنى الحوكمة او الحكم الصالح حيث يعرف برنامج الامم المتحدة الانمائي الحكم على انه مجموع المؤسسات والعمليات والآليات الموجودة لممارسة السلطة في اقتصاد ما وعليه فأن الحكم الصالح ينجم عن اخضاع الحكومات لمزيد من التقصيات وإلزامها بتحسين الادارة وبإتباع سياسات اقتصادية تتسم بقدر اكبر من المسؤولية مع مشاركة اكبر للقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ،وعلى الرغم من عدم التوصل الى علاقة سببية بين الحكم السليم والنمو الاقتصادي نظراً للترابط القائم بين عدد كبير من المتغيرات الا انه يتضح من تقييم نمط النمو الاقتصادي في عدد كبير من الدول خلال العقود الاخيرة ان عدم احراز تقدم على مستويات الحكم السياسي والاداري في تلك البلدان يعيق الجهود التي تبذلها من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ان الحكم الصالح بات يعد حجر الزاوية في النموذج الناشئ للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال القرن الحادي والعشرين الى جانب ذلك فأن الصلة بين الحكم الصالح والتنمية المستدامة اصبحت اكثر قوة بسبب تعثر المناهج السابقة للتنمية ابتداء من النهج البرامجي الذي اتبع في أواخر الستينيات والسبعينيات الذي استهدف تحقيق التنمية للجميع من خلال ما عرف بـ (استيراد التنمية) مما ادى الى سقوط نظرية التناضح وما تلا ذلك من ازمة المديونية العالمية في الثمانينيات الى بداية عهد اصلاحات التكييف الهيكلي ونهج السياسة العامة في مجال التنمية مع توالي التركيز على اشاعة الاستقرار في الاقتصاد الكلي مع رصد عجز الميزانية وسعر الصرف كمؤشرات رئيسة.
وفي ظل المشروع التنموي الجديد فأن نموذج الحكم اصبح ذا ثلاثة مستويات الاول هو الحكم العالمي (تأثير المؤسسات والمنظمات الدولية) والثاني هو الحكم الوطني ( المؤسسات التنفيذية والتشريعية الوطنية ) والثالث هو الحكم على مستوى القاعدة الشعبية ( المجتمع المدني ) وعليه فأن نجاح هذا المشروع في الدولة النامية يتطلب العمل على مجموعة اتجاهات يأتي في مقدمتها , الانفتاح والشفافية , توفير الاطار التنظيمي والقانوني المناسب لعمل القطاع الخاص , وجود حكومة مسؤولة وسريعة الاستجابة , اصلاح الخدمة المدنية وفق آلية جديدة تكفل توظيف وترقية الموظفين الحكوميين وفقاً لمعايير الكفاءة والشفافية , المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني , اهتمام حكومي وشعبي بالبيئة.
نستطيع القول ان الحوكمة او الحكم الصالح يعد ضرورة من ضرورات الاصلاح الاقتصادي في العراق فضلاً عن اهميته في تجاوز الازمات السياسة القائمة حالياً من خلال رؤية استراتيجية تتبنى توسيع المشاركة الشعبية وزيادة الشفافية في العمل التنفيذي فضلاً عن بناء توعية اعلامية بأهمية المحافظة على البيئة لكونها احد ركائز المشروع التنموي الجديد , وفي الوقت الذي تفيد العديد من المؤشرات بأن العراق يسير حالياً باتجاه ترسيخ هذا المشروع لاسيما من خلال انشاء لجان وزارية تعمل على دراسته الا ان المهم في النهاية هو القدرة على تطبيق التوصيات التي تخرج بها تلك اللجان للنهوض بالاقتصاد العراقي خدمةً لكل العراقيين.