كأن المصائب والمحن التي حاقت بالعراقيين، وأوسعتهم ضربا بالسياط حينا، وبالمفخخة والرصاصة، حينا، وبذل الحاجة أحيانا،وبالحرمان من أبسط حقوق الإنسان في أغلب الأحيان، كأنها وأمثالها لم ترو(ي) ظمأ سدنة الكبار في لعبة الأمم،لتحمل الرياح المسمومة خبرا – ليته لا كان صدقا –عن اعتزام الجهات المعنية استبدال الهويات التعريفية المتداولة الآن، (الجواز، وهوية الأحوال المدنية، وشهادة الجنسية، وبطاقة السكن، وغيرها،لتضمين هويات التعريف الجديدة حقلا يتضمن ويدرج : الدين، والقومية، والمذهب، والانتماء الطائفي، والجغرافي، وهذا القرار- لو قدر له التنفيذ -، منتهى الاستهانة بالمواطنة الأصيلة الحقيقية،التي تستهجن التمايز بين الأديان، والتنابز بين الأعراق والقوميات،واعتماد المواطنة التي ترقى على كل المسميات، عراقي وكفى _ مع الاحترام والحفاظ على الخصوصية الشخصية دون منازع -
أمامي ثلاث نسخ لجوازات سفر، عراقي قديم صادر عام 1980، وفرنسي، لجارة فرنسية آثرت الإقامة ببريطانيا، مع رفضها التخلي عن جوازها الفرنسي ، وجواز بريطاني لسيدة سورية الأصل، لإقامتها الدائمة في المملكة المتحدة،
ليس في الجوازات الثلاث – مع تباعد الأقطار وجهات الإصدار _ أي ذكر لدين ولا لمذهب ولا لطائفة ولا لحزب ولا لعرق أو قومية، السمة المشتركة في الجوازات، نص يدعو لتسهيل مرور حامل الجواز، في العراقي باسم وزارة الخارجية، وفي الفرنسي باسم رئاسة الجمهورية، وفي البريطاني باسم صاحبة الجلالة الملكة،
تقتصر المعلومات في الوثائق المذكورة على الاسم واسم الأب واللقب، إلى جانب مسقط الرأس، إشارة حية لمكان الولادة وتاريخها كدلالة على العمر، ثم تاريخ إصدار الجواز وتاريخ نفاد صلاحيته، كهوية سفر وتعريف.
بعض الدول – حسب معلوماتي المتواضعة - تدرج الدين في الوثائق الرسمية: مسلم، نصراني، بوذي، مسيحي آرثوثوكسي، عربي، كردي، تركماني، فارسي، أمازيغي، جنوبي، شمالي، بل إن البعض ما زال ينابز أو يعير الآخر، بتبعيته الإيرانية، أو يتنطع بتبعيته العثمانية التي أكل الدهر على زوالها وشرب، و...وتجشأ!
أدعو بكل تجرد، من بيده الأمر والنهي التدخل، والإيعاز فورا بإيقاف مشروع جهنمي كهذا، يفتح باب الجحيم على العراقيين، ويزيدهم نفرة من بعضهم، ويؤجج مشاعر العداوة والبغضاء بينهم، ويحيي عظاما من الرميم للمزيد من الاحتراب والتشظي، أليس غريبا أن ندعي لبوس الديموقراطية، ولا نرتدي منها إلا أسمالها البالية، أليس عيبا أن نلوذ بالقانون عاصما، ولا نستحي أن نجعل منه آلة للعزف المنفرد كلما جد الجد ودعت الحاجة؟!