TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اعتدال شيعي خارج السلطة

اعتدال شيعي خارج السلطة

نشر في: 20 يناير, 2013: 08:00 م

أحلى ملاحظة على أداء لجنة الدكتور الشهرستاني كانت للأستاذ عدنان حسين في عمود بعنوان "متى يترجل رئيس الوزراء عن بغلته" أبدى فيه السعادة والاستغراب من ان يتمكن نائب رئيس وزراء أبطأ دولة هي العراق، من حسم ٢٠ الف معاملة اجتثاث خلال بضعة ايام. ورسالة هذا أن اللغة الوحيدة التي يبدو ان فريق المالكي يفهمها هي التظاهرات التي تهدد بإسقاطه، والدرس الذي قدمته احتجاجات نينوى وسامراء والانبار، هو درس يمكن للبصرة والسماوة ان تتعلما منه الكثير اذا لم ينصت احد لمطالبهما بعد، رغم ان البصرة كانت سباقة للاحتجاج في انتفاضة الكهرباء عام ٢٠١٠، ويظهر ان عليها ان تعيد الكرة في مظاهرة لا تنتهي بيومين بل تنصب فيها الخيام ويجلس الناس للاعتصام شهرين او ثلاثة.
والبصرة ظلت تتابع اخبار المظاهرات بتلهف، وفي فندقيها الفاخرين "مناوي باشا" و"شيراتون" شاهدت الجميع يتصفحون جريدة "المدى"، وسألت رجل أعمال عن رأيه في تغطية اخبار المظاهرات فقال: اقرأ المدى لان وسائل اعلام الحكومة لا تقدم صورة عما يجري، وعليّ ان اوضح لشركائي المستثمرين الأجانب ماذا يجري في البلاد. جريدة الصباح لا تقول شيئا.
 ان التعتيم على المشاكل لن يستطيع اخفاءها، فما لا تقوله قناة العراقية ستقوله اذاعة المدى أو وكالتها الاخبارية، وستتعمق فيه البغدادية والشرقية والعربية، ولاننا اخفينا المشاكل فقد كبرت المظالم حتى اضطر المرجع الاعلى لان يقوم بإسماع المالكي اقسى كلام سمعه في حياته.
وآخر مظلمة سمعتها كانت لرجل ستيني لا يزال ابنه معتقلا منذ ثمانية اعوام، دون ان يصدر حكم القاضي النهائي بحقه. الشاب دخل السجن بعمر ٢١ سنة، وهو الان في سن ٢٩، ولا فرج ولا نافذة امل. الرجل انفق على ابنه رشاوى تجاوزت ٥٠ ألف دولار، لا من اجل تهريب ولده من السجن بل من اجل اكمال اضبارته التحقيقية وايصالها للقاضي دون نواقص كي يصدر الحكم ويتضح المصير سواء كان إعداما أم إفراجا. لكن الجهود تفشل بسبب سياقات مغلوطة وظالمة وعجز السلطان عن تصحيح وضع العدالة المؤسف.
وقد اتيح لي ان التقي خلال الشهر هذا، ٣ من الزعماء الشيعة، احدهم رجل دين شاب هو السيد عمار الحكيم سليل الاسرة المعروفة، والاخران من شيوخ العملية السياسية. وكانت مسافة الخلاف بيني وبينهم حتى كليبرالي متطرف في ليبراليتي احيانا، محدودة، ذلك انك تطلع على تصوراتهم المعتدلة في معظم الملفات الاقليمية، وتطلع على اتصالات ايجابية من شأنها تخفيف المظالم وتهدئة الوضع مع الجار التركي وانهاء البرود المزعج مع الجيران في الخليج، وتصحيح الكثير من اخطائنا في الملفين السوري والايراني على حد سواء، بنحو لا يخل بجيرة ولا يحسب لطرف على طرف.
وفي نهاية كل لقاء كنت أقارن بين عمق تصورات الاعتدال هذا، وبين وصف "الفقاقيع" الذي استخدمه سلطاننا في نعت المحتجين الكرام من الرمادي حتى الموصل. وأسأل نفسي: إذا كنت أنا عدوا وكنت "اشخصن" الأمور مع المالكي، وكان امثالي علمانيين متهمين بالتطرف، وكانت العراقية بعثية والأكراد انفصاليين، فلماذا لا ينصت المالكي الى هذه اللغة الكيسة التي تصدر من الحكيم والصدر وباقي عقلاء الشيعة، وكلها سيناريوهات مصممة بعناية لنزع التوتر داخليا واقليميا.
المالكي امامه فرصة ان يستمع لهؤلاء، لكنه يغلق هواتفه ويستغني عن نصائحهم ويشك في دوافعها لاسباب لا تخلو من اختلال نفسي. اما نحن فغير محظوظين، لان الاعتدال الشيعي ظل خارج السلطة حتى لو اتيح له بضعة وزراء في الكابينة. بمعنى انه لم يؤثر في سياسة خارجية ولا داخلية، بسبب تفرد السلطان.
انه اعتدال تحتاجه كل المنطقة، وتغيير نهج الحكم الذي طلبته المرجعية يبدأ من اشراك هذا النهج الاعتدالي في القرارات الكبرى، وبخلافه فإننا ماضون الى المزيد من القمار السياسي الذي لن يتوقف عند حد مع فريق الحكومة المتسرع والمتلعثم الذي يتسابق نحو هاوية مؤسفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. المدقق

    عجيب امر هذا البلد الذي سوف لن تقوم له قيامة حتى يعرف كل منا حجمه الحقيقي .. فانت ترى في هذا البلد العجب العجاب . فتجد ان الاطفال هم الذين يوجهون الكبار . وان الاقلية تفرض رايها على الاغلبية . وان المرتشين واصحاب الاجندات الخارجية يعلو صوتهم فوق صوت وطنية

  2. منتظر القيسي -العراق

    سرمد ليس هذا عهدنا بك,,زعيم مليشيا إرهابية معتدل؟؟!! ووريث قيادة فشلت في توريثه إقليم الجنوب حصيف؟؟!يا عزيزي سيستمر السلطان متربعاً على عرشه ما دام هؤلاء خصومه الذين ليست مشكلتهم في تفرد المالكي بالسلطة بل في أنه يقطع الطريق عليهم ليتفردوا هم بها,ولنتخيل

يحدث الآن

بايدن: اتفاق غزة بات أقرب من أي وقت مضى

خرائط وبيانات ملاحية ترصد 77 خرقاً "إسرائيلياً" لأجواء أربعة دول عربية منذ تهديد إيران

مشعان الجبوري يخاطب "السيادة": اعتذروا والا

أمر قبض ومنع سفر لـ"زيد الطالقاني"

برلماني يكشف آخر مستجدات منصب رئيس البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: في قراءة قانون الأحوال الشخصية

قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

العمودالثامن: لماذا يطاردون النساء ؟

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

العمودالثامن: من الشبيبي إلى رشيد الحسيني

 علي حسين لم يكن الشيخ محمد رضا الشبيبي مجرد سيرة حافلة بالمواقف الوطنية، بل كتاباً غنياً لحقبة من الزمن الجميل، كان الشبيبي يريد دولة تقوم على العقل والأخلاق السياسية والاجتماعية وكرامة الإنسان، كان...
علي حسين

كلاكيت: عماد حمدي.. المسطول الذي رثى مسيرته

 علاء المفرجي إذا ما سلمنا أن الممثل عادة هو من صنع المخرج، فأن انطلاقة الفنان عماد حمدي كانت من تلك الفورة الكبيرة في السينما المصرية ومن نشاط المنتج (شركة أو افراد) التي كانت...
علاء المفرجي

قرنان من التشيع والحوزة في العراق.. من 1722 إلى 1922

علي المدن شاهدت الحلقة التي أعدها الأستاذ أحمد الحسيني على قناته في اليوتيوب وكان عنوانها (صراع قم مع النجف.. هل اقترب ظهور المرجع العراقي). وهي حلقة غنية بالمعلومات تنم عن جهد كبير بذله الحسيني...
علي المدن

الدولة لا الاحكام الظنية من تضع للاسرة تشريعاتها

هادي عزيز علي اعتمد الفقهاء المسلمون الاحكام الظنية التي تتسع فيها دائرة الاجتهاد اذ استنبطوا منه الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي فيما لا نص فيه للوصول الى قواعد عملية تتعلق بادارة الشان العام بما...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram