رغم أعمال الطبخ والخياطة وتربية الأطفال التي لا تنتهي، تكشف لوسي ايلمان أن قصص لورا اينكلز وايلدر - عن حياة العائلة في البراري الأميركية - توجه ضربة لتحرير المرأة. رغم تحذير ابنتها بعدم وجود سوق لترويج قصص الأطفال، فقد كتبت لورا انكلز واي
رغم أعمال الطبخ والخياطة وتربية الأطفال التي لا تنتهي، تكشف لوسي ايلمان أن قصص لورا اينكلز وايلدر - عن حياة العائلة في البراري الأميركية - توجه ضربة لتحرير المرأة. رغم تحذير ابنتها بعدم وجود سوق لترويج قصص الأطفال، فقد كتبت لورا انكلز وايلدر رواية سيرة ذاتية بثمانية مجلدات ما بين 1932 و 1943 ، بدءا بـ ( البيت الصغير في الغابة الكبيرة ).
إنها قصص مغامرات تظهر ذلك الابتكار الأميركي الفريد من نوعه، إلا وهو العائلة الرائدة . الآن ومع تداعيات الأزمة المالية، تبدو مصاعب وستراتيجيات البقاء لعائلة انكلز ملائمة تماما. كل شيء يتميز بالبراءة : تعيشين في كوخ خشبي مع الرجل الذي تحبين، تحتضنان كل ليلة تحت لحاف مرقّع ، وتنجبين عددا من الأطفال المطيعين، تصنعين الزبدة، تحبين الحيوانات والطبخ وخياطة المستلزمات البيتية. هذه وجهة نظر المرأة. أما كرجل، فانك تعمل بقوة خارج البيت: تصطاد الحيوانات، تصيد السمك، تزرع، تتاجر بالفرو وتتبادل النكات عند المتجر العام قبل عودتك إلى بيتك وعائلتك مرورا بالعواصف الثلجية والدببة وذئاب الجاموس. بندقيتك بطيئة، تفكر قبل أن تطلق النار، ويمكنك أن تجهّز بسرعة كوخا خشبيا في أي وقت.
أسلوب الحياة هذا بعيد كل البعد عن حالة الاتحاد اليوم، حيث تهتم المرأة على الدوام بالمشاهير والسيليولايت، وتنجز باستياء 98% من الأعمال المنزلية بينما يعمل الزوج في وظيفتين، أو لا يعمل أبداً، ويقضي ساعات فراغه مع إحدى الغواني . الأطفال يذهبون للمدارس ليجري تلقينهم وتخديرهم و تخويفهم في مجتمع يعتز فقط بالزيجات القصيرة و بأتفه حقوق الإنسان . يجري التنقل باستخدام القطار، بينما كانت عائلة وايلدر تتجول في السهول الأميركية في عربتهم ذات السقف. كانوا يعتقدون أنهم كلما أوغلوا أكثر في الغرب كلما كانوا أحراراً أكثر. لم يكونوا يعلمون أن أميركا، التي تأسست على الاغتصاب بقدر ما تأسست على آمال المهاجرين و الأجداد الخيرين، كانت مرقعة منذ البداية . من الذي يساعدك في مجتمع رأسمالي عندما يلتهم الجراد محاصيلك، او تدمر النيران مسكنك و ما يحيط به ، او عندما يطالبك البنك بتسديد القرض؟ إن كنت محظوظا فسيساعدك جارك، لكن في الغالب كل إنسان يعيش لوحده – الكل منشغل جدا ومرتبك ويتماشى مع الرأسمالية محاولا التفوق عليها. كان عليهم جميعا البقاء في أوربا. مع ذلك، فمن الجيد أن تؤمن ، حتى لو كنت على خطأ، بان العالم هو المحارة التي تعيش فيها .
تشارلس انكلز – الأب الذي يظهر في روايات ابنته – لديه موهبة المحافظة على البهجة. الصفقة هي كالآتي : أنت تقتل، تطبخ، تتناول الطعام، تغني. تفعل كل ذلك بإحساس ايجابي وإلا فإنك قد تموت . التفاؤل ليس دليلا على الحماقة في مثل هذه الحالة بل انه ضرورة. السخرية ترف، الفقر والحرمان تكون شديدة وقاسية أحيانا : على أبي أن يسير مئات الأميال بحذاء ممزق، فقط من أجل الحصول على عمل يبقي على حياة العائلة. أحيانا يبقى لثلاثة أيام في حفرة من الثلج دون أن يستدل على البيت في عاصفة ثلجية. لم يفكر أبداً بوظيفة مكتبية ، لكن خلال فترة الكساد - عندما شرعت وايلدر بكتابة سلسلتها – كان الكثير من الناس يمرون بمتاعب مشابهة
هذا هو السبب في حاجتنا إلى مثل هذه الكتب الآن، ففي عصر يهان فيه المرء بسبب إخفاقه في الجمال و الصحة و الثروة و المعرفة التكنولوجية، تبدو النظرة العالمية لوايلدر (التي تعززها الرسوم التوضيحية لغارث وليام من سنوات الخمسينيات) إنسانية لافتة للنظر وحتى اشتراكية في بعض الأحيان.
لم تكن أميركا لتظهر إلى الوجود دون الجهود الجماعية. إن عائلة انكلز تمنح الإحسان بلا كلل لكل من تلتقيه (هل كان من الضروري أن تجعل لورا تعطي لعبتها المصنوعة من الخرق إلى فتى شقي مدلل؟). في "البيت الصغير في المروج"، تتغلب الأم على نفورها من الهنود وتطعم عائلة اوساجز التي تمتلك الأرض التي تشغلها عائلة انكلز عن طريق الخطأ؛ وبالتالي ينقذهم الرئيس من الذبح . في "الشتاء الطويل" يقنع الأب مسؤول المخزن ببيع الطحين بلا فائدة الى سكان المدينة الجياع الذين تقطعت بهم السبل لمدة سبعة شهور بسبب الثلوج . الأب يسمي ذلك "عدالة" وليس شيوعية، لكن مع ذلك تجثو الروح الرأسمالية لفترة وجيزة على ركبتيها. الأب هو الأكثر جاذبية بين الاثنين؛ أما الأم فإنها ثابتة، هادئة وربما خجولة (مثل بناتها ) إلا أن سرور الأب بها هو عنصر مهم من عناصر الكتاب. يقول إن بصمة كفيها على خبز الذرة هو كل ما يحتاجه للأكل. عالم وايلدر مليء ببصمات اليد الأنثوية. لم تكن الريادة نشاطا رجاليا منفردا، وكان على أحد ما أن يجعل مرق السمك المقدد يتماشى مع الفلسفة المقددة. فرضت المرأة الراحة المنزلية في الكوخ الخشبي لكونها ضرورية لبقاء الأطفال الرضع. هذه القصص لا تقتصر على الغابات والمروج والجداول، بل هي أيضا عن البيوت في الغابات، وعن الأكواخ في البراري، و المخابئ التي تكوّنها الجداول. البراري هناك يجري ترويضها من قبل العائلة الأميركية – العائلة التي تتحدث عنها الكتب تتكون من العنصر النسوي في الغالب.
لم يعد أحد يعرف الأنوثة، إلا أن القصص ليست عن الأجور المتساوية وحقوق الإجهاض فقط، وإنما عن تقييم الأنوثة لأجل الأنوثة. كانت وايلدر كاتبة من الجناح اليميني ومتدينة وصامتة حتى سن الخامسة والستين. ما يجعل كتبها ذات مستوى أنثوي- بقصد أو بغير قصد - مأخوذ من تمردها الفطري الذي نلمحه في سخط لورا وتنافسها مع شقيقتها ومغامراتها المتهورة . أخذت وايلدر بجرأة الحلم الأميركي وفردية القرن الثامن عشر لتشملها هي نفسها، وكتبت دون اعتذار عن الحياة اليومية للنساء والفتيات. كتبت مرة عن احد الفتيان: ارتكز كتابها الثاني (فتى المزرعة) على الحياة المبكرة لزوجها (المانزو) . من الواضح أنها قصة عن الحب، لكنها لم تنزلق إلى الحسد. كان والداه يديران مزرعة مزدهرة في ولاية نيويورك. ذلك يعني، بالنسبة لوايلدر، ان المانزو كان يستطيع الحصول على مقدار كبير من الأطعمة لتناولها خلال الوجبات ، توفرها له أمه. تفصّل وايلدر مساهمات المانزو ذي التسع سنوات في مزرعة العائلة – إزالة الأعشاب الضارة، ملأ الأكياس، الحراثة، الزراعة، رفع الأخشاب – وهي أعمال شاقة تقصم الظهر.
كتبت ابنة وايلدر – المؤلفة روز وايلدر لين – "علي أن انهي قصص والدتي التي لم تنهيها". دورها في عملية تحرير "البيت الصغير" أزعج بعض قراء وايلدر. كانت روز تكتب روايات للبالغين عن حياة الرواد. مساهماتها في جهود والدتها كانت تشمل تحريرا شاملا والعديد من الأسئلة وبعض النصائح الجميلة. مهما كان تأثير روز في التحرير، إلا أنها لم تتمكن من إزالة كل خصوصيات أسلوب والدتها؛ فالتفاصيل الفنية لوايلدر لا يمكن تقليدها، كما أن السرد يختفي في قصص روز. إنها بحاجة إلى المزيد من التجربة. رغم سحر كتبها المبكرة فإنها تبقى غير ممتلئة نوعا ما. وصف وايلدر للمناظر الطبيعية غالبا ما يكون رثائيا ، يمنح شعورا للأطفال بالمروج والطيور والزهور أكثر مما نتصور. ربما كتبت تلك الفصول لنفسها كي تسجل الأحاسيس التي تهمها، في ما بعد صاغت حب الطبيعة على شكل نهج تسير عليه .
بالتأكيد أن هناك كوارث – مثل العمى الذي أصاب ماري شقيقة لورا – يمكن احتمالها ، لكن هناك أيضا أهمية لف القش بشكل متكرر او الحصول على قبعة من الفراء في اعياد الميلاد، او رؤية الكلب الوفي جاك. و هناك الحب - حبها لعائلتها و خاصة والدها – الذي يمكنه ان يتحاور مع العندليب على آلة الكمان .
عندما كان عليهم مغادرة البيت الصغير، يدّعي الأب بانهم يأخذون أغراضا معهم اكثر مما جلبوا معهم . تسأل الأم " لا ادري ماذا تعني " فيرد الأب " هناك البغل " لكننا نشعر بأن هناك ما هو اكثر من ذلك : الكرسي الهزاز الذي صنعه لها ، وهناك التجربة والتضامن، وفتاة جالسة في المقعد الخلفي للعربة ستحكي للعالم في ما بعد قصتهم وتجعل والدها بطلاً.