أكتب احتفاءً بابني الجميل ضرغام اسماعيل ومن معه.
أحتفي به كأنني أقرأ قصيدة جميلة.
الهجمة الكروية تنبني مثل أن يبني الشاعر قصيدة.
نقلات ووثبات وتجارب تكتب وتمحى وصولاً إلى هدف.. القصيدة بشكلها النهائي.
إخفاقات وعثرات وحلول تنبثق أثناء العمل/ الكتابة أو المباراة.
صحيح أن الرياضة في شتى صنوفها تعتمد القوة لكنها، بالنتيجة، فن.
فن الرياضة مثل فن الشعر: بناء ومغامرة واختراق.
الشاب، ابني، ضرغام اسماعيل، وهو يسدد في مرمى الفريق اليمني أحالني إلى شبابي وأنا أسدد كرتي في مرمى القارئ قصيدة وأسجل هدفاً، وأنا شاب لأرى قصيدتي تفوز بجائزة أولى، ذات يوم طلابي في معهد إعداد المعلمين.
ضرغام اسماعيل ومن معه يكتبون الشعر جميلاً على ميدان أخضر والآلاف ترقبهم وتصفق وتفرح وتنتشي في لحظة الظفر.
ليست لحظات الشعر، بالنسبة لي على الأقل، لحظات ظفر، لكنها سعي فني نحو تحقيق نتيجة، أو بلوغ لحظة استثنائية أتوقعها، أبلغها أو لا أبلغها.
في ملعب كرة القدم تتضافر جهود لاعبين لبلوغ هدف الخصم.. بينما الشاعر يخوض لعبته وحيداً، لكن ثمة فريقا كاملا "سرّيا" يعمل معه لبلوغ الهدف: الذاكرة، التجربة، اللغة، الشارع، المدرسة الأولى، المرأة الأولى، القارئ الأول (كانت أمي التي تعرف القراءة) الأصدقاء المحبون/ الغيارى/ الحاسدون، المتفاخر (أخي الأكبر) الذي أحال انجازي الصغير إلى عبقرية العشيرة!
يعزز فوز المنتخب الوطني انتماء المواطن إلى وطنه، لأن كرة القدم ميدان فسيح – أكبر من ورقة لقصيدة – يتيح التعايش لكنه يكرس، في الوقت شيئاً من العصبية القبلية.
تنطلق الكرة من ضربة هدف ينفذها لاعب دفاع – أو حارس مرمى – لتبلغ لاعباً آخر قد يكون من الفريق الخصم وهنا إخفاق شعري عندما ينفذ الشاعر "ضربته" الأولى فلا تبلغ شيئاً، لهذا قالوا: عليك أن تبدأ بجملة صحيحة.
الجملة الشعرية، مثل جملة كرة القدم، ينبغي أن تصل هدفها النهائي وإلا ستبلغ الطريق المسدود، وعلى الشاعر أن يبحث عن حل.
مباراة كرة القدم التي يخوضها منتخب وطني مثال طيب على مهنية المهنية في الأداء الوطني، فلا جنسيات اللاعبين ولا طوائفهم ولا منحدراتهم الفرعية ما يشكل أداءهم الوطني بل هو إنهم لاعبون يخوضون اللعبة بروح الفريق الواحد.
أمضينا أياماً مع كأس الخليج الأخيرة فأدمنا الحماسة والتصفيق والفرح بانتصارات فريقنا الوطني وسنشعر بالفراغ بعد انتهاء البطولة.. لمن سنصفق ومن سنشتم وكيف سنسهر ونتسلى؟
عندما قفز ذاك الشاب، ابني، ضرغام إسماعيل الذي أشاهده أول مرة مع المنتخب الوطني، بعد تسجيله هدفاً في مرمى الخصم ليعانق مدربه حكيم شاكر رسم لحظة على غاية الكثافة، مثل قصيدة هايكو عراقية، لكنها أكبر من فرحة شخصية بهدف في مرمى الخصم وأكثر دلالة من نشوة رياضية يعبر عنها لاعب شاب إثر إنجاز مهم.. إنها لحظة إنسانية تكتنز الامتنان والوفاء والعرفان وكأنه يقول لمدربه: شكرا لك لأنك منحتني فرصة أن آتي أمراً جميلاً.
ثمة دهشة استثنائية تعقب، مباشرة، لحظة تسجيل هدف في مرمى الخصم، تشبه دهشة صناعة جملة شعرية يوفق بها الله شاعراً وهو يكتب قصيدته.
انتقالات الكرة بين أقدام اللاعبين هي جمل كروية "يكتبها" اللاعبون في الطريق إلى تلك الدهشة.
انتقالات الكلمات من وإلى على السطر هي جمل شعرية يكتبها الشعراء في الطريق إلى تلك الدهشة.
القصيدة مثل كرة القدم: قد تحقق الدهشة أو لا تحققها.
انهزمت، كثيراً، في ألعابي الشعرية عندما يُسدّ في وجهي أفق القصيدة فلا أبلغ الهدف، ومثل لاعب كرة انفتحت بوجهي آفاق متعددة وأنا في طريقي إلى الهدف لتسجيل كوووووووووووول.
كرة القدم.. شعراً
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2013: 08:00 م