2-2
كما قلت من حق ماري طوق إصدار ترجمة جديدة لرواية "المثقفون" لدوبوفوار، فهذه أمور تحدث، مثلما ما تذكرت أهل الكهف، لو لم أقرأ مقالاً ثانياً عن الترجمة في جريدة الحياة. فما معنى نشر مقال ثانٍ في الجريدة ذاتها وبعد ثلاث سنوات ونصف من نشر المقال الأول، خاصة إذا كان المقال "الجديد" أولاً: عن الترجمة نفسها، ثانياً: نُشر على الصفحة ذاتها وبوجود المحرر "النائم" ذاته، ثالثاً: إذا كان المقال اجتراراً للأول ولمقالات أخرى، رابعا وتلك هي الطامة: إذا كان الكاتب يجهل اللغة الفرنسيةً؟
الكارثة لا تكمن في نشر مقال عديم اللون والرائحة والطعم بعد ثلاث سنوات ونصف من صدور الكتاب! أو أن ما حدث هو دليل على زيف هؤلاء وعدم خضوعهم لمسؤولية ضمير، فهم بالتالي يروجون للسذاجة والتزوير، بل هي دليل فاضح على نومهم الدائم. محرر الحياة وكاتب مقاله، هما رقمان بسيطان لقائمة طويلة تضم محررين ومثقفين كتبوا عن ترجمة طوق، احتفوا بها بصفتها ضربة فريدة في توقيتها: "لا أعرف إذا كانت ترجمة سيمون دو بوفوار "المثقفون" في وقتها، لكن يتراءى، أكان ذلك عن قصد من المترجمة ماري طوق أو غير قصد، أنها كذلك" (كذا كتب المشرف على الملحق الثقافي لجريدة السفير، عباس بيضون في 12/7/2009)، "من خلال رواية المثقفون التي دخلت أخيراً المكتبة العربية...( سناء الخوري،8/9/2009 موقع قدينانت)، ومقالات أخرى في صحف خليجية، منها جريدة الرياض في تموز 2009. لا أحد منهم أشار للترجمة القديمة الصادرة قبل 47 عاماً من ترجمة طوق! رغم ذلك تظل المقالة الأخيرة، أم المقالات، فهي لا تكرر أسطوانة "أهل الكهف" المشخوطة للمقالات التي قبلها، بل تريد تذكيرنا بوقاحة بأعمال "الكاتبة الفرنسية سيمون دوبوفوارالمترجمة إلى العربية "قوة الأشياء"، و"الجنس الثاني".."، وكيف أن "السؤال بالنسبة إلينا يتمحور اليوم في غمرة الربيع العربي حول رواية "المثقفون" التي صدرت في مجلدين كبيرين عن مشروع "كلمة" وبترجمة دقيقة وأمينة لماري طوق، إذا كان صراعنا الثقافي ينعكس في مرآتها"! (الحياة 23/12/2012)!
أشك في أن كاتب المقال قرأ كتابي دوبوفوار المذكورين، أولا: لأن العنوان الصحيح للكتاب الثاني الذي ذكره هو "الجنس الآخر" وليس "الجنس الثاني"، وثانياً: لأن من قرأ الكتابين، كانلابد وأن عرف كتاب دوبوفوار الأقدم، رواياتها "المثقفون"، أو "الماندرين" (النخب الثقافية، كما هو معنى "ماندرين" في الصين القديمة)، لأن الرواية المنشورة 1954 في باريس وحازت حينه جائزة الغونكور، صدرت في بيروت عن دار الآداب 1962 بترجمة عائدة مطرجي وسهيل إدريس، وقرأناها بنهم في السبعينيات. طبعاً كان يمكن السكوت، لكن أولاً: معرفتي من جهل كاتب المقال باللغة الفرنسية، أمر يضعه في وضع المنافق عندما يمدح ترجمة من لغة لا يعرفها، ثانياً: هو لم يقارنها بترجمة الزوجين إدريس كما هو متعارف عليه في تقييم ترجمة جديدة لعمل أدبي سبق وأن تُرجم، ثالثا (ولتعذرني السيدة طوق، فهي لا دخل لها في مهزلة الديكة المزيفة هذه!): تلك ليست المرة الأولى التي ينشر فيها المحرر الثقافي للحياة مقالاً يتحدث عن عظمة ترجمة ما، دون معرفة باللغة التي تُرجم العمل عنه، هو نفسه مدح ترجمة عن ريلكة من الألمانية، رغم جهله للغة الألمانية!
عنوان مقال مثقف أهل الكهف هذا المنشور في الصحيفة الدولية حمل عنواناً باهراً: عودة إلى "مثقفي" دو بوفوار في الربيع العربي. فإذا كانت هناك عودة لا بد منها إلى"ماندرين" دوبوفوار في زمن الربيع العربي، كما أراد قوله العنوان، فلا بد أن تكون العودة هذه بمستوى الربيع ذاته. الربيع العربي الشبابي فضح زيف السلطات الديكتاتورية المتحكمة على رقابنا. للأسف لم نشهد ربيعاً عربياً في المشهد الثقافي يفضح زيف مدعي الثقافة، أهل الكهف هؤلاء. فمتى يحدث ذلك؟ متى، إذا ليس الآن؟