يشهد الأردن اليوم انتخابات نيابية، دار حولها لغط كبير بين الدولة والمعارضة، التي رفضت المشاركة فيها نظراً لإجرائها وفق قانون انتخاب جديد، تقول المعارضة إنه سينتج برلماناً لايختلف عن سابقيه، من حيث عدم القدرة على مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية، أو وضع تشريعات تمضي بالعملية الإصلاحية الملتبسة إلى غاياتها، فيما تأخذ بعض أطراف المعارضة على البرلمان الجديد عدم تمثيله لفئات من المواطنين، بما يتناسب مع كثافتهم السكانية في دوائرهم الانتخابية، وليس سراً أن جماعة الإخوان المسلمين تقود معارضة الانتخابات، وقد عزفت عن المشاركة فيها ترشيحاً وانتخاباً، في وقت اندفع فيه سياسيون ورجال أعمال أثرياء للمشاركة، واعتمد بعضهم خطيئة شراء الأصوات من مواطنين، دفعتهم حالتهم الاقتصادية المتردية للبيع لمن يدفع أكثر.
ما يميز انتخابات اليوم أنها تجري بإشراف هيئة مستقلة جرى تشكيلها مؤخراً، ما يرفع عنها يد الحكومة، التي اتهمت في الانتخابات السابقة بتزوير إرادة الناخبين، عبر تدخل الأجهزة الأمنية المكشوف، ما دفع العاهل الأردني لإصدار أوامر صريحةً ومشددة لتلك الأجهزة بعدم التدخل بأي شكل من الأشكال، على أن تجربة اليوم ستكشف إن كانت قوى الشد العكسي ستقف مكتوفة الأيدي، رغم القناعة العامة بأن البرلمان الجديد لن يكون ثورياً أو معارضاً لسياسات الدولة حتى وإن تمكن بعض المعارضين التقليديين من الوصول إليه، وحتى لو تمكنت بعض قوى اليسار من اجتياز حاجز الأصوات المطلوبة لنجاح قوائم تمثلها، وتشكّلت على عجل، رغم الاختلافات بين تلك القوى التي جمعتها اليوم المعركة الانتخابية.
المال السياسي هو عنوان هذه الانتخابات, وقد أحالت السلطات المعنية عدداً من المترشحين إلى المحكمة، التي أمرت بحبس بعضهم، بمن فيهم رؤساء قوائم تمتلك حظوظاً كبيرة في الوصول، والعنوان الثاني هو العزوف الشعبي عنها في مراحلها التحضيرية، حتى أن بعض المقرات الانتخابية الفارهة، التي أقيمت في الأحياء الفقيرة، كانت فارغةً بالكامل عشية يوم الاقتراع، واللافت أن هذا العزوف يشمل الدولة والمعارضة في آن معاً، نظراً للقناعة الشعبية بأن كلا الطرفين يفتش عن مصالحه الخاصة، قبل الاهتمام بالمطالب الشعبية، التي تتمحور في معظمها حول الحالة الاقتصادية البائسة التي يمر بها المواطن، نتيجة عدة ظروف، منها على وجه الخصوص السياسات الحكومية العاجزة والمفتقرة للتخطيط السليم، وعدم توفر برامج مقنعة عند قوى المعارضة من جهة، أو عند المترشحين قوائم وأفراداً، لتجاوز هذا الوضع البائس.
في الوجه السياسي، ترتبط العملية الانتخابية اليوم بما يجري في سوريا، فالدولة تنتظر نتائج المعارك الدائرة منذ عامين عند حدودها الشمالية، وهي تخشى صعود نجم الإسلامويين هناك، وهذا ما تأمله جماعة الإخوان المسلمين، وهي تعتقد أن وصول إخوان سوريا إلى السلطة سيشد من أزرها، ويدفع صانع القرار الأردني لتلبية مطالبها المغلفة بالإصلاح، والهادفة فعلياً إلى القفز إلى موقع المسؤولية، وكان ذلك واضحاً في إعلان الملك عبد الله مخاوفه من نشوء دكتاتوريات دينية، تحل محل دكتاتوريات عسكرية وأمنية أو حتى حزبية، كما أنها رسالة من رأس الدولة إلى الغرب، الذي حثه على مزيد من الديمقراطية، خشية دخول الأردن نادي الربيع العربي، وهو المؤهل لذلك أقله من الناحية الاقتصادية.
بعد يومين سيكون للأردنيين برلمان جديد، تسعى الدولة للقول إنها بانتخابه قطعت خطوة جديدة في عملية الإصلاح المتدرجة، وتتهمه المعارضة سلفاً ومسبقاً بعدم تمثيل القوى الشعبية والسياسية، وستسعى لمنعه من إكمال مدته الدستورية، وذلك ما يتوقعه الكثيرون.