ليست المرة الاولى التي يدخل فيها مسؤولون اتراك على خط الجدل السياسي المحتدم في العراق، وكأنهم طرف مباشر. وفي معايير السياسة الدولية، هذا سلوك منافٍ يلحق اضراراً بالغة بالعلاقات بين الدولتين. ولو توقف الامر على الإضرار بهذه العلاقات، لقيل إنه قابل للت
ليست المرة الاولى التي يدخل فيها مسؤولون اتراك على خط الجدل السياسي المحتدم في العراق، وكأنهم طرف مباشر. وفي معايير السياسة الدولية، هذا سلوك منافٍ يلحق اضراراً بالغة بالعلاقات بين الدولتين. ولو توقف الامر على الإضرار بهذه العلاقات، لقيل إنه قابل للتصحيح في لحظة مناسبة، عبر القنوات الدبلوماسية، ومن خلال حسابات الخسارة والربح في ميزان المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري. لكن هذا الدخول على مستوى الخط الاول من قادة الدولة التركية في الجدل العراقي، بوجه خاص، حين يكتسب هذا الجدل حساسية وطنية، يُنظر اليه بعين الريبة، ويُخِلُ بالمعادلات السياسية، ويُضعف مواقف من يتصدّون لتصحيح مساراتٍ خاطئة في بلدهم ودرء اخطار الانحراف عن المسيرة الديمقراطية فيها.
صحيح ان العراق يعيش حالة من الفوضى السياسية وانعدام التوازن واختلافاً حاداً في الرؤى، وهذا يتطلب دون شك تصدّياً جسوراً بآليات الديمقراطية المتاحة واستنهاض القوى الحية في المجتمع. لكن العراقيين شديدو الاعتداد باستقلاليتهم، والثقة برجاحة عقولهم، وامتلاك صفوتهم ناصية الحكمة والقدرة على النفاذ الى مواقع الخلل في ترتيب بيتهم الوطني، كلما حاق الخطر الجدي بهذا البيت، ودرء الاخطار والتصدعات عنه، وتحمل اكلاف ذلك، حتى حينما تمتزج تلك الاكلاف بالارواح والممتلكات ومصائر الوطن.
وتتضاعف الحساسية، اذا ما تعامل طرف ما، دولة كبرى كان هذا الطرف، او جارة عزيزة مثل تركيا، ولكي لا نثير التباساً، او جارة متشاركة مع اكثرية مواطنيناً " عقائدياً " مثل ايران، كما لو اننا، او أن مكوناً منا، قومية كان هذا المكون او طائفة لا فرق، رهينة لديها، او تابعة لها، وتتصرف الدولة الأخرى من وحي ذلك باعتبارها وليّ أمرٍ او قيماً على شؤون البلد الآخر ومصالحه وتطلعاته.
اننا ندرك حجم الاخطاء المرُتَكبة من قبل حكومتنا، وتَعَثُر مسيرة العملية الديمقراطية في بلادنا، وانعكاسات ذلك كله على مجتمعنا، كوحدة واحدة، وليس كَشيَعٍ واحزاب، ما دام الخراب مقسوماً على الجميع، بدرجات متفاوتة، قسمة ضيزى. ونحن نتحرك بمسؤوليةٍ للتصدي للازمات التي تحيق بنا، ونبحث معاً عن صيَغٍ للحل الديمقراطي المناسب الذي من شانه حماية تعايشنا في اطارٍ مشترك، وتذليل ما يحول دون تطويع ما نمتلك من ثرواتٍ بشرية وطبيعية وتاريخٍ ضاربٍ في الازمان السحيقة، ورصيدٍ ثمينٍ من التجربة في الصواب والخطأ بحق مصائرنا.وقد نصيب فنحصد مآثر، وقد نتعثر فتطول محنتنا، لكننا في الاخير سنمسك بمربط الفرس، ونعيد ترتيب خياراتنا.
لقد تمادى بعض المسؤولين في الجارة تركيا، اكثر من مرة، وفي لحظات حرجة من تطور تجربتنا الديمقراطية المتعثرة، في اقحام انفسهم بالدخول على خط الجدل العراقي، وفي كل مرة فعلوا ذلك، اخطأوا، وسجلوا على دولتهم الجارة، سلوكاً منافياً لتقاليد الجيرة، وتصرفاً متعارضاً مع الاعراف الدبلوماسية ومواثيقها الملزمة في التصرف خارج الحدود. وخلافاً للمراد من التدخل، اضعفوا حجة المتجادلين من العراقيين، وسببوا خلطاً للاوراق عقد المشهد، ولم يخفف الاحتقان او التوتر المتصاعد، بل على العكس، قدم مبرراً محرَّفاً لحكومتنا والقيمين عليها للتشبث بمواقفها والتعنت بعنادها.
ان هذا الجانب من المشهد في السياسة العربية والاقليمية، والحراك الدائر فيهما، من ربيعٍ " تَخَرّفَ سريعاً، ومن تناقضاتٍ بين طموحات شعوب انهكها الاستبداد والتخلف، وتدخلاتِ دولٍ وانظمة لا يجمعها جامع مع ما تدعي الدفاع عنه في حركة الربيع العربي، يضع امام هؤلاء اللاعبين على خط التغيير الجاري من الخارج، تساؤلات هي في ذات الوقت تحدياتٍ من عيارٍ ثقيل ليست باقل، مع اختلاف العناصر، مما نحن عليه في العراق، وفي غيرنا من بلدان " الطبعة المزورة " من الربيع العربي، تواجههم وتفرض على انظمتهم وحكوماتهم استحقاقاتٍ سياسية ديمقراطية وتكوينية عرقية وقومية ، كما هو الحال في تركيا التي تتميز بفسيفساء عرقية واثنية وقومية لا تتشابه معها في التكوين، جاراتهاوالمحيطون بها، تفرض عليها استحقاقاتٍ وحلولاً من المجتمع الدولي لانهاء القهر القومي لمكوناتها الرئيسية، ورفع المظلومية عنها وانهاء محاجرالعزل القومي والاقصاء السياسي لمكونات التنوع والتعدد في دولتها. وكما هو الحال مع قطر الشريك الاقرب لها في المحيط العربي، البالغة السخاء والكرم في " تدجيج " الاخوان المسلمين والسلفيين، بالمال واسباب القوة لقهر مجتمعاتهم المتأسسة على قيم التنوع في اطار وحدة اوطانها.
وليس لتناول هذه الحقائق والتطرق الى واقع الحال في تركيا او قطر، او غيرهما من اثرياء العرب والجيران، مورد للتحريض او الشغب، بل فرصة لالفات النظر، وتحوط واستدراك لخطر كامن خشية من تحول التجاذب خارج الحدود الوطنية، الى ظاهرة في التمدد، بوسائل التدخل، تسود العلاقات في محيطنا العربي والاقليمي، وتصبح ساحاتها، ميادين لتصفية حسابات وتنفيذ أجندات لا خير فيها لشعوبها.
ان قدر الشعوب ان تتعايش، مهما رأت في تضاريس حدودها، مما يحجب الرؤية، ويخفي طرق التلاقي وتبادل المنافع وتعميم القيم الانسانية واسباب التقدم والتطور والحضارة المشتركة. واذا كان ممكناً على صعيد الافراد تغيير الجيران، بتغيير المنازل، بيعاً بثمن بخسٍ او ايجاراً، فان حدود الاوطان والدول، لا تخضع لمثل هذين المعيارين.
العراق يتطلع الى جيرة متآخية مع تركيا، كما مع ايران، وغيرهما، يتكئ على حُسن جيرتهم، وينفتح على مصالحهم على قدم المساواة مع مصالحه وسيادته. وهذا خيار دائم وراسخ للعراقيين، اما الخروج على هذا السياق، فهو فعل جناية دائمة لصالح حكومة مؤقتة، على طرفينا ان نتجنب مطباتها، باحترام ارادة شعبينا وتطلعاتهما وخياراتهما وطريق تقدمهما.
الرئيس اردوغان، ان الدخول على خط التماس في الجدل السياسي بين العراقيين، هذه المرة مثل المرات الاخرى، نشازٌ ونشوز. لم يكن تأثيره على الحراك الحيوي الدائر اقل تشويشاً مما سبق، ان لم يكن اكثر، بما اوحى به، من طابع " طائفي "، خلافاً لما نريده منه له ونتبناه من عملٍ مشترك.
ان العرب السنة كما التركمان، هم اولياء الأمر على انفسهم في وطنهم، وليسوا برهائن لاحدٍ يحتاج فك اسرهم إلى دافع فدية. ولهم من الحصانة بشعبهم من الشيعة والكرد والمتآخين الاخرين ما يجعل منهم متضافرين، سد أمان ومنعة، وقوة دفع وارتقاءٍ وتطور ديمقراطي مديد..
قد تحتاج الى مشورة لا يقدمها وزير الخارجية، فلا تتردد ارجوك.!
جميع التعليقات 4
ابو سجاد منتصر
استاذ فخري هل نستطيع التخلص من الصراع الفارسي العثماني بهذه السهولة هذا تاريخ طويل ونحن بين دولتين صراعهمامستمر ولانستطيع التخلص من هذا الصراع الا بالوحدة هل نستطيع ان نتوح هذا ابعد من المستحيل والسلام
علاء الدين العبيدي
تركيا تسمح لنفسها بالتدخل في الشان العراقي كأنها المدافع عن الطائفه السنيه وكذلك تدخلها السافر في سوريا وهذا بشهادة المواطنيين الاتراك وفي نفس الوقت تشجب وتنفي وعلى مستوى حكومي عالي التدخل الفرنسي في جمهوريه مالي وذلك لوقف زحف منظمات اسلاميه مرتبطه بتنظيم
كريم
الموضوع جميل ويحتاج التطبيق على أرض الواقع والواقع يقول إن الحدود مسيطر عليها من قبل البارتي ولاأنسى ذلك اليوم الذي أخذوا منا به تكايف الفيزا عند دخولنا العراق لأول مرة بعد غياب طويل كما هو غيابك عن أرض الوطن،وكمراقب للأوضاع أرى أن السيد مسعودمستندا على ت
هادي فوزي
تحية طيبة للأستاذ فخري كريم ... انا معك في مضمون هذه الرسالة ... وهي تحليل جيد لعلاقات العراق بجيرانه .. ولكني أتمنى عليك أرسال نسخة من مقالك القيم هذا الى السيد مسعود البارزاني باعتباره من أقوى حلفاء أردوغان على الساحة العراقية وبخاصة ما يتعلق بمشروع قط