شعور بالذنب فقط اخذني الى مدخل مركز شرطة العلوية حيث احتجز الدكتور مظهر محمد صالح طيلة اربعين يوما، وبقدر ما لهذه الاربعين من اساطير في حكايات العالم القديم، وقفت بعيدا واكتفيت بدور المتفرج على منظر خروجه من السجن، بينما تلاميذه يحيطون به.
شعوري بالذنب الذي شرحته في مقال "مظهر في عصر المرجئة" جاء لاننا تأخرنا عن مساندته بشكل كاف، وعلينا ان نصحح الخطأ. وهذا ما قام به ناشطون شجعان على مدى الايام الماضية وتكللت جهودهم بنجاح.
دخل الدكتور مظهر السجن متهما في قضية مسيسة حد اللعنة، وبإجراءات قال عنها احمد الجلبي وهو الخبير المصرفي الفذ، بأنها تمت خارج الشرعية وخرقت قانون البنك المركزي. لكن مظهر خرج من السجن استاذا تعلم في جامعات رفيعة، يحيط به تلامذته الذين يدينون له بالكثير، وراحوا يصفقون له بحرارة حتى بعد ان اصبحوا اساتذة علم الاقتصاد في جامعاتنا.
الفئة الاخرى التي احاطت بالدكتور مظهر لحظة خروجه من السجن، عدد كبير من الصحفيين، الذين احبوا فيه تواصله اللائق والحلو مع وسائل الاعلام، بموازاة خشونة الساسة وبعض النواب والمسؤولين.
وبين الصحافة وخبراء الاقتصاد الذين احاطوا بمظهر لحظة خروجه من السجن الرديء والبدائي، كان الناشطون الذين اطلقوا اكثر من حملة تطلب العدالة وتناهض الظلم وخرق القوانين، فكانت هناك شروق العبايجي الى جانب ميثم لعيبي ومازن الزيدي وآخرين، تحلقوا حول مظهر الذي لم يجد سوى كلمة "سيبقى العراق" ليقولها وهو يذرف دمعة عراقية بسيطة وصادقة امام عدسات الكاميرات الدولية والمحلية امام بوابة الزنزانة الموحش.
لم يكن الناشطون سعداء لان الدكتور مظهر الشخص خرج من الزنزانة فحسب، بل لأنهم ادركوا ان الحراك المدني يمكن ان يضغط وأن يحصل على نتيجة، لو التف الناشطون حول قضايا عادلة وأحسنوا تنظيم صفوفهم.
ولم يكن الموضوع يخص الدكتور مظهر الشخص، بل لان مظهر يمثل نموذجا لآلاف المظلومين من كل الطوائف. فالدولة التي لم تعرف كيف ترفع القمامة او تصلح الكهرباء او توزع الحصة التموينية، هي ايضا دولة فشلت في تحقيق متطلبات العدالة، فامتلأت سجونها بالرجال والنساء الذين تعرضوا للظلم.. بعضهم بقي 8 اعوام بلا محاكمة، وغيرهم تعرض لاغتصاب وتعذيب ولقي مصرعه في السجن، ثم تبينت براءته حيث لا ينفع الندم.
ان فريق السلطان السياسي والعسكري ليس مؤهلا لتصحيح خطأ، لكنه مؤهل لان يصاب بالذعر، حين يخرج متظاهرو البصرة ويخلعون محافظ المالكي عام 2010، او يخرج اهل الانبار ونينوى فيجبرون الشهرستاني على الاعتراف بالظلامات.
الفريق الحكومي المؤهل للشعور بالذعر، سبب يجعل الحراك المدني يتشجع للمواصلة. ولتكن قضية البنك المركزي مدخلا لمستقبل الضغط الاجتماعي. وليس المطلوب ان نتحول الى قضاة نقوم بتبرئة سنان او مظهر او 20 موظفة امضين اسابيع مؤلمة في سجون غير لائقة.. لكن المطلوب هو الضغط كي تجد العدالة طريقها الى هذه القضية، وكي لا يعبث المزيفون ووعاظ السلطان بالقانون والتشريعات ويورطوا الابرياء بما اقترفه آلهة العبث والاستهتار.
وقد اعتاد كثيرون ان ينصتوا لاحمد الجلبي حين يتعلق الامر بمأزق مالي، فهو خبير دولي متميز بالمصارف والتنمية الاقتصادية ومؤسسات المال حول العالم. وحين سألناه بعد اعتقال 20 سيدة وآنسة من موظفات البنك، عن رأيه في هذا، كانت لديه ملاحظتان.
الاولى، ان اللجنة التي رأسها قصي السهيل للتحقيق في ملف البنك المركزي، ليست قانونية، لانها لم تتشكل طبقا لقانون البنك المركزي، بل وفق توافق بين المالكي وحلفاء له، وتدخلت فيها بضعة اخطاء غامضة للنجيفي ومواقف تثير التساؤل لنائبه قصي السهيل.
والملاحظة الثانية للجلبي، ان اللجنة التي يرأسها السهيل لم يكن في عضويتها اي خبير مالي مرموق. بينما تتعلق بملف حساس وتقني اختلطت فيه معايير سنان الشبيبي الدولية، برغبات ومشتهيات السلطان الذي يريد حل البرلمان.
اليوم، لدينا فرصة كبيرة. فالسلطان في اضعف لحظاته. والنجيفي فهم جزءا كبيرا من الدرس. والجلبي اضحى مقبولا من معظم الاطراف التي شعرت انها تحتاج مواقفه الجريئة والخبيرة. وأقترح ان نخطط لحملة هدفها اجبار المالكي والنجيفي معا، على اعادة التحقيق في ملف المركزي وفق قانون البنك، واعادة تشكيل اللجنة، واشتراط ان يكون فيها عدد من الخبراء المرموقين في شؤون المال، ممن لا يحسبون على فريق السلطان ضمانا للحياد. وأن نحاول اقناع الجلبي بأن يسير مع هذه اللجنة خطوة خطوة، لاعادة الاعتبار لهيبة المؤسسة المالية ولخبراء عراقيين محترمين دوليا، ولموظفات تعرضن الى الاجحاف ولم يتلقين تعاملا لائقا اثناء التحقيق.
هنا يمكن للحراك المدني ان يعيد اكتشاف قوته وممكناته، وأن ينطلق نحو قضايا اكثر تعقيدا فيما بعد.
لنكمل مع سنان.. لتكشفوا قوتكم
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 5
المدقق
يبدو ان السيد سرمد الطائي اصبح فيلسوف زمانه فهو اضحى يكتب ويحلل في كل فنون المعرفة والعلوم . فهو سياسي محنك من الدرجة الاولى والتي تتيح له سب وشتم البطل ابو اسراء . وهو محلل سياسي من الطراز الرفيع لنراه قد حلل كل ال�
محمد سعيد
تصورات صميمه صادقه ومقترحات بناءه ان تم اعتمادها وتنفيذها لربما تصحح جزء من الضياع المستديم و الملازم لدوله فاشله بلا حكومه فاعله وكفؤه
علاء الدين العبيدي
حبيبي سرمد ناديت لو اسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي خرجنا للتظاهر في 25شباط وستمرينا بالخروج لمدة 6 اسابيع رافعين شعار العراق اولاً والهويه الوطنيه فوق كل شيءالا ان الجماهير خذلتنا والان هذه الجماهير تلبي النداء الطائفي وترفعه وتخرج بتظاهرات تقابلها
محمد صعيد
لماذا اوجدتم باب التعليق ويبدو انكم لاتعرونه اهميه
اكرم حبيب
السيد الطائي الاتعتقد ان احمد الجلبي جزء من اللعبة السياسية المدمرة اين الحيادية في التقييم اغبطني خروج السيد عارف غير مكسور من السجن مع احترامي