الجدل يدور منذ فترة بين عدد كبير جداً من الكُتاب والمفكرين العرب عن شكل الدولة العربية وهويتها القادمة خاصة بعد تهاوي نظم شمولية في المنطقة كرست هوية واحدة وهمشت الهويات الأخرى. وحقيقة الأمر إن هذا الجدل في شكل وهوية الدولة هل هي مدنية أم إسلامية ؟
الجدل يدور منذ فترة بين عدد كبير جداً من الكُتاب والمفكرين العرب عن شكل الدولة العربية وهويتها القادمة خاصة بعد تهاوي نظم شمولية في المنطقة كرست هوية واحدة وهمشت الهويات الأخرى.
وحقيقة الأمر إن هذا الجدل في شكل وهوية الدولة هل هي مدنية أم إسلامية ؟ وإن كانت مدنية هل برلمانية أم رئاسية ؟ وإن كانت إسلامية هل سيكون النموذج التركي حاضراً أم الإيراني ؟ هذه الأسئلة والنقاشات تمهد الطريق بلا شك لأن تجعل الشعوب تحفر الخنادق لكي يتمترس كل منا في الخندق الذي يناسب هويته ، وأجزم بأن الغاية من هذه النقاشات هي دفع الناس للبحث عن هويات ثانوية يتصارعون من خلالها مع بعضهم البعض فترة من الزمن.
هذا الجدل يبعدنا عن أساس مشكلة الشعوب العربية بل يبعدنا عن جوهر الانتفاضات الشعبية العربية وأسبابها،لأن هذه الثورات لم تحصل نتيجة تباين في شكل وهوية الدولة بقدر ما هي ناجمة عن أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها المواطن العربي،ومن هنا فإن شكل الدولة العربية يجب أن يكون ذا أبعاد اقتصادية أكثر مما هي هويات ثانوية تحاول فرض نفسها من خلال حلقات من النقاش في مرحلة انتقالية تتسم دائماً بالخطورة وسوء الفرز والفهم معاً.
وهذا ما يجعلنا نسأل ماذا بعد الربيع العربي ؟ هل ستدخلنا نقاشات السياسيين وطموحاتهم في الخريف بشكل مبكر جدا ومن أول دورة انتخابية؟
الشعوب صنعت الربيع وقدمت باقات الورود ومنصات الكلام وكراسي ومقاعد الجمعيات العمومية والتأسيسية للسياسيين الذين سيسعون جاهدين لامتصاص رحيق هذا الربيع بأسرع وقت ممكن ، وستفوح روائح الخريف بسرعة خاصة وإن لكل سياسي فضائية وصحيفة وعددا من الناطقين باسمه.
وعندما نقول هذا لا نبتعد عن الواقع والسيناريوهات المتوقع حصولها بنسبة كبيرة جداً في الكثير من الدول العربية التي صنعت ربيعها شعبياً.
وأخطر ما يمكن أن يحصل وهو المتوقع بأن يستنسخ ساسة الربيع العربي صورا وأشكالا جديدة للطغاة الذين أسقطتهم إرادة الشعوب بالقوة وأجبرتهم على التنحي والهروب وترك البلاد،وبدل ما كان في بلدان الربيع العربي طاغية واحدة سنجد أكثر من واحد.
الخطر يكمن بأن نسبة كبيرة جداً من (سياسيي الربيع العربي) لم يغادروا بعد صفة المعارضة التي لازمتهم عقوداً طويلة،وبالتالي فهم وإن كانوا متحمسين لسقوط الأنظمة لكنهم في نفس الوقت غير مؤهلين لإدارة دولة في القرن الحادي والعشرين من جهة ،ومن جهة ثانية وهي الأكثر خطورة بأنهم لا يمتلكون صورة وشكلا للحكم خارج إطار ما كان مألوفاً أمامهم من أنماط الحكم المستبدة التي لا تقبل الشراكة والحوار، وهذه أحد أهم المخاطر التي قد نجدها في الساحة العربية بعد حين .
وبالتأكيد هنا علينا أن نشير لجملة من الحقائق التي ربما يتجاهلها البعض أو غابت عن مناقشاتهم،وتتمثل بأن ما حصل في ربيع العرب لم يكن من تدبير حزب معين أو (ضباط أحرار) بل لا فعالية لأي حزب يساري كان أو ليبرالي أو إسلامي بإسقاط بن علي ومبارك والقذافي ومن سيأتي بعدهم ، لكن هذه الأحزاب كما قلنا وجدت نفسها أمام نظم حكم تتهاوى بقوة الشعوب ، وتريد أن تحصد ما دفع الشعب ثمنه من دماء أبنائه.
لهذا فإن أكبر تحدٍ يجابه الثورات العربية هو محاولة البعض القفز عليها ومحاولة صناعة مزيد من الهويات الفرعية التي تُقسم الشعب لمسميات جديدة وعناوين هي الأخرى تتيح لصُناعها تبوُّء مقعد هنا أو هناك.