TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مقارنة مختلّة بين الدستور العراقي والدستور المصري الجديد

مقارنة مختلّة بين الدستور العراقي والدستور المصري الجديد

نشر في: 25 يناير, 2013: 08:00 م

* الحلقة الثالثة :- ضمانات النزاهة في كبار موظفي الدولة   اهتم الدستور المصري اهتماماً كبيراً بضمانات الرقابة والنزاهة لشاغلي أعلى الوظائف في الدولة ، في حين أهملها الدستور العراقي إهمالاً تاماً ، بل راوغ ( واضعو الدستور العراقي ) مراوغة الثعل

* الحلقة الثالثة :- ضمانات النزاهة في كبار موظفي الدولة

 

اهتم الدستور المصري اهتماماً كبيراً بضمانات الرقابة والنزاهة لشاغلي أعلى الوظائف في الدولة ، في حين أهملها الدستور العراقي إهمالاً تاماً ، بل راوغ ( واضعو الدستور العراقي ) مراوغة الثعلب الماكر في النص الوحيد الذي جاء به الدستور العراقي ، مراوغة ( إما خبيثة بتطرف ، أو جاهلة بتطرف) تتضمن الكثير من المحاباة لكبار موظفي الدولة على حساب المال العام،حينما أشاروا  إلى  واحدة من تلك الضمانات الخطيرة بطريقة حرّفتها بالكامل عن غايتها وفتحت الطريق واسعاً لنهب أموال الدولة باسم القانون .

فهذا الدستور المصري ينص في المادة ( 158) منه :- "يحدد القانون المعاملة المالية لرئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة ، ولا يجوز لأي منهم أن يتقاضى أي مرتب ، أو مكافأة أخرى ، ولا أن يزاول طوال مدة توليه منصبه ، بالذات أو بالواسطة ، مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا ، ولا أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة ولا أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله ، ولا أن يقاضيها عليه ، ولا أن يبرم معها عقد التزام أو توريد أو مقاولة . ويتعين على عضو الحكومة تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب وعند تركه ، وفي نهاية كل عام ، يعرض على مجلس النواب . وإذا تلقى أي منهم هدية ، نقدية أو عينية ، بسبب منصبه أو بمناسبته ، تؤول ملكيته إلى الخزانة العامة للدولة . وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون .  "

ومثل هذا النص ، بنفس عباراته،جاء بالمادة ( 138 ) من الدستور المصري عن رئيس الجمهورية   " يحدد القانون المعاملة المالية لرئيس الجمهورية ..... "

أما المادة ( 88 ) منه فقد نصت :- ( لا يجوز لعضو أي من المجلسين  " مجلس النواب ومجلس الشورى ) طوال مدة العضوية ، بالذات أو بالواسطة ، أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة ، ولا أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله ولا أن يقايضها عليه ، ولا أن يبرم معها عقد التزام أو توريد أو مقاولة . ويتعين على العضو تقديم إقرار ذمة مالية عند شغل العضوية ، أو عند تركها ، وفي نهاية كل عام ، يعرض على مجلسه . وإذا تلقى العضو هدية ، نقدية أو عينية ، بسبب العضوية أو بمناسبتها ، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة . كل ذلك على النحو الذي ينظمه القانون . "

فالدستور المصري فرض على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ضمانات للنزاهة ومنع تعارض المصالح هي :-

1- منعهم من تقاضي أي مرتب أو مكافأة  ( غير ما يحدده القانون لمن يتولى المنصب الذي يشغلونه ) .

2- منعهم من مزاولة أية مهنة حرة أو عمل تجاري أو مالي أو صناعي طوال مدة توليهم المنصب ، لا بأنفسهم ولا بواسطة غيرهم .

3- منعهم من شراء أو استئجار شيء من أموال الدولة .

4- منعهم من بيع أو إيجار شيء من أموالهم للدولة .

5- منعهم من إجراء مقايضة مع الدولة بأي شكل .

6- منعهم من التعاقد مع الدولة بصفة ملتزمين أو موردين أو مقاولين .

7- إلزامهم بتقديم إقرار الذمة المالية عن جميع أموالهم حال توليهم المنصب، وفي ختام ولايتهم ونهاية كل عام.

8- نص على أيلولة أية هدية - نقدية أو عينية- يتلقاها صاحب المنصب الكبير إلى الخزينة العامة للدولة ما دامت أهديت إليه بسبب منصبه أو بمناسبته .

وإلزام أعضاء السلطة التشريعية بضمانات النزاهة من ( 3 – 8 ) ولم يلزمهم بالفقرتين ( 1 و2 ) أعلاه لأن أعضاء السلطة التشريعية ليس لهم سوى مكافأة يحددها القانون فقط وليس لهم رواتب ، فلهم الحق في الاستمرار بممارسة أعمالهم أو مهنهم السابقة  وتقاضي الرواتب أو الأجور والإيرادات منها.

أما الدستور العراقي فقد أهمل كل ذلك !

وقد يكون هذا لأن واضعي  الدستور العراقي – في ما يبدو – كانوا على يقين من نزاهة الرجال الذين سيديرون البلاد ويتلاعبون بمصير العباد !

وطبعا صدق ظنهم ، لأن فضائح الفساد أزكمت الأنوف ولأن الرقابة والنزاهة أضحت في خبر كان بعد أن استولت عليها السلطة التنفيذية وجعلتها أداة للتآمر ، أو لمنح صكوك البراءة والغفران وفق ما تريد وتشتهي.

ويقبل من واضعي الدستور العراقي قولهم :- ( إنهم إنما أهملوا ذكر تلك الضمانات لأنهم تركوا تنظمها للقوانين ) ، لكن فاتهم - هنا - أن القوانين بيد من تقيده تلك الضمانات الخطيرة ، ولا ينتظر من هؤلاء تقييد أنفسهم بها فعليا ، لذلك لم يقر في العراق من تلك الضمانات الثمانية التي جاء بها الدستور المصري سوى واحدة هي تقديم تقرير كشف الذمة المالية ، والكل يعرف أنه أقر من سلطة الائتلاف الموقتة المنحلة عام 2004 ولولا ذلك ، لما أقر نهائياً .

وستمضي مدة طويلة جدا وستسرق مليارات الدولارات قبل أن تقر في العراق الضمانات الثمانية التي ذكرها الدستور المصري .

ورغم أني أتفهم الحجة  المذكورة آنفا لواضعي دستورنا في إهمالهم ضمانات نزاهة كبار الموظفين، إلا أنني لا أفهم لماذا تلاعبوا بنص المادة ( 127 ) منه التي جاء بضمانة النزاهة الوحيدة في الدستور العراقي ، فحرفوها عن غايتها ، وأفرغوها من مضمونها ، حينما أضافوا لها جملة صغيرة هي  :- ( أن يستغلوا نفوذهم في ) ، إذ نصت المادة المذكورة :-  " لا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس وأعضاء السلطة القضائية وأصحاب الدرجات الخاصة ، أن يستغلوا نفوذهم في ، أن يشتروا شيئا من أموال الدولة ، أو أن يؤجروا أو أن يبيعوا لها شيئا من أموالهم ، أو أن يقايضوها عليها ، أو أن يبرموا مع الدولة عقداً بوصفهم ملتزمين أو موردين أو مقاولين ) .

ولعل النص يبدو - لغير المتخصصين بالقانون - قد جاء بنفس الضمانات ( 3 و4 و5 و6 ) أعلاه التي جاء بها الدستور المصري ، لكن الحقيقة  هي أن النص العراقي يختلف تمام الاختلاف رغم تشابه الجمل والكلمات والعبارات المستخدمة في كلا النصين ، لأن النص المصري يمنع كبار الموظفين من البيع أو الإيجار أو الاستئجار أو التعاقد مع الدولة نهائيا بأي شكل ، أما النص العراقي فإنه لا يمنعهم من بيع أو شراء أو استئجار أموال الدولة ولا من التعاقد مع الدولة ولا يمنعهم من بيع أموالهم للدولة ولا إيجارها إليها أو مقايضتها معها ، لكنه يمنعهم فقط ( من استعمال نفوذهم في ذلك ) ،أي أن لهم شراء أو إيجار أموال الدولة ولهم بيع أموالهم أو إيجارها لها ،ولهم التعاقد معها كموردين ومقاولين ، وهذا هو مقتل النص الذي جعله مادة لتحفيز الفساد وحمايته ، بدل أن تكون ضمانة للنزاهة.

فلا تقف خطورة هذا النص عند هذا الحد ، بل إن الأخطر فيه هو أن هذا النص شرعن لكبار الموظفين شراء أو استئجار أموال الدولة  ، كما شرعن لهم أن يكونوا مقاولين وموردين ( ما داموا لا يستغلون نفوذهم في الحصول على تلك العقود الحكومية ) ، وتلك خدعة ماكرة غاية في الخبث لأن الكل يعلم أن كبار موظفي الدولة لهم نفوذ مفروغ منه يتحرك معهم تلقائيا حينما يتعاملون مع الدولة فيهضمون حق المال العام دائما ، ويتلاعبون به ويحابون بعضهم بعضا على حساب حقوق الوطن وفقرائه.

كان عدي صدام حسين بواسطة بعض زبانيته يدخل مزايدات بيع العقارات ، فإذا عرف المزايدون أن عدي يريد شراء العقار، فالكل يسحب تأميناته وينصرف ليشتري زبانية عدي العقار بلا منافس بأقل ثمن ممكن  !

وحدث قبل حوالي ثلاث سنوات أن أحد قيادات إحدى الوزارات الأمنية أراد تملك عقار مخصص لسكنه ، فضغط على الدائرة التي تملك العقار باتجاه إعلانه للبيع بالمزايدة العلنية ، فنفذ له ما أراد ، وفي يوم المزايدة منع المزايدين المنافسين من الوصول إلى مقر الدائرة الحكومية التي يجري فيها بيع العقار بالمزايدة بطريقة بسيطة ، حين أوقف مفارز أمنية قطعت الطريقين المؤديين إلى الدائرة قبل موعد المزايدة بساعتين بحجة وجود عبوات ناسفة ، فخلا له الجو لأنه الوحيد القادر على المرور لحضور المزايدة ، فحضرها وحده واشتراه بأبخس الأسعار .

ولا يخفى على أحد أنواع النهب الذي مورس على عقارات الدولة من كبار موظفي الدولة ،باستغلال ثغرات في قانون بيع وإيجار أموال الدولة النافذ ، وباستغلال  النهج الكارثي في التعامل معها في قوانين النظام السابق الذي عجز مجلس النواب عن إيقافها . وما كان لذلك أن يحدث لو أن واضعي الدستور العراقي لم يتلاعبوا بنص المادة ( 127 ) من الدستور بالطريقة التي ذكرناها .

لكنّ سؤالا يظل يلح عليّ ، هو هل واضعوا الدستور تعمدوا التلاعب بالنص لحرفه عن غاياته وإفراغه من محتواه ، أم فات عليهم لسوء معرفة وسوء  خبرة ودراية ؟

إلا أن كلا الفرضين يذكراني بقول الشاعر :-   إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم  .

رئيس هيئة النزاهة السابق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علي العبادي

    س ع لااخفيكم الم وحرقة على ماقراتة في المقال لاكن السؤال الذي يطرح نفسةاين كان هذا الكلام سابقا اولم تكونو بالحكومة من يراجع الدستور الشعب الغير متعلم نسبة كبيرةمنهم كان الاجدر بكم ان يقال هذا الكلام منذ عام 2005لاكن بعد ابعادة من النزاهة اصبح العراق عزيز

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram