تراوح الأزمة المحتدمة في سوريا مطرحها بينما يزداد تبايناً موقف مختلف الأطراف الفاعلة منها ومن أسلوب الحل المرتجى لإنقاذ الدولة السورية أولاً من التفكك والانحلال، وإنقاذ المواطن السوري من دوامة القتل الأعمى التي تحصد يومياً أرواح المئات من الأبرياء، فالسعودية وهي لاعب رئيسي تستبعد تسوية الأزمة من خلال التفاوض، في حين تبشرنا موسكو بأن الأزمة قد تطول دون نتيجة واضحة، فيما تعلن الأمم المتحدة عن خيبة أملها وقلقهما إزاء اتساع العنف بدعم قوى خارجية.
السعودية تحمّل حكومة الأسد المسؤولية لرفضها أي حل على خلفية تصورها أن كل من يقاتلها إرهابي، وتسأل على لسان وزير خارجيتها عن كيفية تصور التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض مع نظام يفعل ذلك ببلده وبتاريخه وبشعبه، وتطالب بقرار أممي، يدفع مجلس الأمن للقيام بمسؤوليته، أو نقل القضية برمتها إلى الجمعية العامة للقيام بما يتوجب عليها في حال فشل المجلس، وروسيا اعتمدت تصريحات أمين عام الأمم المتحدة والمبعوث الأممي التي عبرا فيها عن الاستياء والحزن الشديدين لمستويات القتل والتدمير المروعة التي تنفذها الحكومة والمعارضة كلتاهما، والتي تغذيها قوى خارجية تُقدم السلاح للجانبين، لتؤكد أن النزاع متواصل وسيطول، والجامعة العربية استفاقت من غفوتها لتؤكد أنه لا توجد حتى الآن أي بارقة أمل بنجاح مهمة الإبراهيمي ووضع الأزمة على طريق الانفراج وبدء المرحلة الانتقالية التي تقررت منذ أكثر من ستة أشهر.
الحلف القطري التركي المصري لا يقف مكتوف الأيدي، فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، سيزور قطر خلال أيام لمناقشة الملف السوري، وقد وصلت بطاريات الباتريوت الأطلسية إلى الحدود التركية السورية، فيما تستعر معارك بين الجهاديين المدعومين من أنقره، وبين المواطنين السوريين الكرد، ويقف المجلس الوطني السوري عاجزاً عن التدخل، وإذ نثق أن للأزمة السورية امتداداتها الإقليمية، فإن أردوغان سيبحث في الدوحة ملفي العراق والنووي الإيراني، نظراً لصلتهما المباشرة بما يجري في بلاد الشام.
في موازاة هذه المواقف، تتواصل العمليات العسكرية على وتيرتها التصعيدية، وهي تأخذ شكل الحرب الأهلية الطائفية، بغض النظر عن من دفع الأمور إلى هذا المنعطف المأساوي والشديد الخطورة، بينما تسعى المعارضة دبلوماسياً للضغط على الأمم المتحدة، لوقف تعاملها في الشأن الإنساني مع حكومة الأسد، فيما يتكرس فشلها وتشتتها وانقساماتها في عدم مقدرتها على تشكيل حكومة منفى، تكون قادرة على أداء المهمة الجسيمة المتوقعة منها، بينما بدأت الحكومة الروسية بإجلاء الراغبين من رعاياها عن الأرض السورية عبر مطار بيروت، مع الإعلان أن الذين يتم إجلاؤهم فقدوا منازلهم، وأن العملية لا تعني إجلاءً كاملاً للروس من سوريا.
يعني كل هذا أن الأزمة السورية تحتاج إلى معجزة للخروج منها، وأن تداعياتها انتقلت فعلياً إلى الإقليم، وأن كل الرهانات على انتصارات للنظام أو المعارضة قد فشلت، إن لم يثبت أنها كانت مغرضة، وأن الأمر يحتاج اليوم إلى عقلاء، للجم لهيب النار الذي يلفح وجه الشام، ويحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالهزيمة، إن في صفوف النظام أو المعارضة، وأن الأمر سينتهي إن استمر على هذا المنوال، على الطريقة اللبنانية "لاغالب ولا مغلوب"، وأن التطور نحو نظام ديمقراطي تعددي في سوريا، يحتاج إما إلى مزيد من الوقت والنضال السلمي، أو إلى مزيد من الدماء، وعلى السوريين أن يحسنوا الاختيار.