حماية الطفل من كافة صور وأشكال الإساءة الجسدية والنفسية أمر بالغ الأهمية. والحماية كما أفهمها تدابير”وقائية واحترازية” نفسية واجتماعية وقانونية، وهي من صلب مسؤولية الأسرة أولاً والمجتمع بكافة مؤسساته وأجهزته المعنية ثانياً .
الإساءة للطفل بأي شكل وفي أي صورة، والتحرش الجنسي على وجه التحديد، جريمة إنسانية لا يجب التعامل معها بسطحية أو تجاهل، أو استحياء، لأنها تعكس تردياً وانحطاطاً سافرين لمستوى القيم الذاتية، وانعدام الوازع الديني لدى المتحرشين بالصغار. وتعكس خطورة تداخل عوامل عديدة، في مقدمتها إهمال الأسرة وغياب دورها، وعدم اكتراث الأمهات، والاعتماد المفرط على الخدم، والسائقين، وانعدام الرقابة الأسرية، وانتشار القيم السلبية لعالم الإنترنت وفوضى وسائل الاتصال بين أيدي الأطفال الصغار، فضلاً عن التعامل السلبي خشية الإساءة المجتمعية لدى بعض الأسر.
لقد مضى زمن التعامل السلبي مع ظواهر سلبية باتت تجتاح قيم المجتمع من كل حدب وصوب، ولم يعد بإمكان الآباء والأمهات أن يتحكموا كما في السابق بـ”فلتر” يحدد ويُرشح قنوات اتصال أطفالهم بالعالم من حولهم، كنتيجة طبيعية لتعدد مصادر التنشئة الاجتماعية، ومن ثم لم يعد مناسباً أن نتعامل مع المتغيرات الاجتماعية بجمود وخوف وتردد. البديل لن يكون إلا بالصراحة والمكاشفة والحوار والسعي نحو توسيع إدراكات الطفل ومعارفه، بلغة سهلة وواضحة ومهذبة تتلاءم وعمره الزمني.
مطلوب الحذر من التفريط، أو الثقة المطلقة في كل ما يتصل بالصغار من أقارب أو خدم أو غيرهم، وليس معنى ذلك أن نشكك الصغار في كل الناس من حولهم، وإنما على الوالدين أن يراقبا ويتابعا جيداً تصرفات الطفل، وملاحظة أي تغير ولو بسيطاً للغاية في سلوكياته واهتماماته وحالته النفسية والمزاجية، وأن يحاولا إيجاد حالة من الوعي الذاتي لديه بما يعرف بحرمة الجسد، وأن ينتبه لمحاولات الإغراء أو الاستدراج وعدم الانزلاق نحو مغريات عديدة، وأن يدرك أنهما فقط المعنيان بتوفيرها له، وألا يتعود أن ينساق لمغريات الآخرين مهما كان صاحبها، وأن يعتاد منذ الصغر أن يقول “لا” في وقت معين، وألا ينصاع بسهولة حتى لرغبات وإرادة الأطفال الصغار في مثل سنه، وأن يحاولا أن يخلقا في ذاته شخصية مستقلة تتمتع بالإرادة منذ الصغر.
إن مسؤولية الأسرة في تحصين الطفل تبدأ بالتوعية المبكرة الواضحة البسيطة بما هو مسموح به، وما هو ممنوع، ولا يستهان بعقلية الطفل أو أحاسيسه وقدرته على الفهم والتمييز بين ما هو مباح وما هو محرم، وتعويده على الصراحة والمكاشفة والحوار، وأن نمده بالمعلومات التي تمثل طوق نجاة له من التحرش الجنسي، ونوعيه بأسلوب يتناسب وعمره بما يمكن أن يستدرج إليه من أفعال، وأن ينبه الأبناء إلى عدم الوثوق بالغرباء بسهولة، ونعلمهم حُسن التعامل مع المواقف والأزمات، وكيفية التصرف في حالة التعرض للتحرش، وكيف يستشعر الطفل ذلك بنفسه، وكيف يمكنه طلب النجدة أو المعونة من الآخرين عند الضرورة. لقد ولى الزمن الذي نهرب فيه بدفن رؤوسنا في الرمال!