في البدء، أهنئ نقابة الصحفيين العراقيين بمولد أختها "النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين"، متمنيا لهما عيشا سعيدا وحياة مفعمة بالعطاء لخدمة بلدنا العزيز. إنه حدث مفرح حقا في أيام شح بها الفرح. في الحقيقة كنت منشغلا، ويدي على قلبي، بمتابعة التظاهرات وما رافقها من مصادمات بين الجيش والمتظاهرين، فلم أسمع بالنبأ السعيد إلا يوم أمس.
كنت أتوقع أن يفرح الكثيرون مثلي من أبناء كار الصحافة، لكني فوجئت بتعالي أصوات ترى في حدث ولادة النقابة الجديدة كارثة قد حلت بالعراق!
غريب إنني لم أجد أثراً لبرقية تهنئة من نقيب الصحفيين مؤيد اللامي للنقيب الجديد عدنان حسين. والأغرب إني وجدت مقالات عديدة متشنجة، لا بل مرعوبة أيضا، تشتم أعضاء المجلس التأسيسي الجديد وتصفهم بألفاظ مخجلة وخارجة عن حدود الأدب. بعضها نشر على مواقع تابعة للحكومة كموقع "عراق القانون"!
ورغم يقيني بأن تأسيس النقابة الجديدة لم ولن يهدف إلى إلغاء دور النقابة الأولى لأني أعرف أغلب أعضاء المجلس التأسيسي للنقابة الوليدة ونواياهم جدا، لكن تصريح النقيب الجديد بأنها لن تكون بديلة لأختها القديمة، زادني يقينا.
أجمل ما في الديمقراطية أن يكون أمام الإنسان، أي إنسان، عدة خيارات ليحدد انتماءاته وقناعاته. أما مللنا من اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الواحد والصوت الواحد؟ وما الضير في أن نوقد بوجه الظلام أكثر من شمعة؟ أين الذي يبشرني بولادة نقابة صحفية ثالثة لأعطيه بوسة من العيون؟
ومع هذا أقول إني لست متشائما. فكل ولادة جديدة من طبعها أن تخيف بعضا وتفرح آخرين. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح. ليتها لا تكون الولادة اليتيمة وأن تتحول إلى بادرة خير تتعبها نقابات متعددة للمحامين والأطباء والعمال والمعلمين والأدباء والفنانين.
ما زالت هناك فرصة طيبة أمام رئيس نقابة الصحفيين الأولى أن يبارك تأسيس النقابة الثانية ويساندها بالقول والفعل ليثبت مهنيته وإخلاصه للعمل الصحفي الذي يفترض انه جند نفسه لخدمته. وإنها فرصة طيبة أيضا لرئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة للمبادرة في تهنئة النقابة الثانية خاصة وأنها خطوة دستورية قلبا وقالبا.
بقي أن أذكر لكم تجربة مررنا بها، نحن الشعراء الشعبيين، في منتصف الستينات يوم سعينا لتأسيس اتحاد يجمع شملنا. والصحفيون كما الشعراء والأدباء والفنانون فيهم من هو بارع وموهوب ومتخصص وفيهم من أتى على حس الطبل. ومن عجائب الأقدار أن رجل هؤلاء دائما أسرع وأخف في التسلق للسيطرة على أي تجمع يسعى لتأسيسه المتمكنون. وبينما كنا نخطط ونرتب ونعد النظام الداخلي سبقتنا مجموعة من الشعراء الشعبيين التقليديين بتأسيس جمعية عن طريق وزارة الداخلية فشتت شملنا ولم تضم غير عديمي الموهبة. استقووا علينا بالحكومة أولا وبأموالهم الطائلة ثانيا. كانت النتيجة أن ولدت الجمعية ميتة بعد أن حرّمت الانتماء لها على كل من يكتبون القصيدة الحديثة.
عزمنا أمرنا على أن نلجأ للتفاوض مع أعضاء الهيئة الإدارية لإقناعهم بأننا أيضا قادرون على كتابة الشعر الموزون والمقفى حسب شروطهم. ذهب لهم نيابة عنا الشاعر كاظم الرويعي فردوا عليه بقصيدة مطلعها:
تقول التزم بالقافية وبالمطلع
حجيك خرط هذا وابد ما ينفع
وفعلا لم ينفع، وضاعت الجمعية بفعل جهل إدارتها، بعد أن ضيعتنا معها.