حين صدر قرار بحل مجلس النواب الأردني السادس عشر، قبل انتهاء ولايته الدستورية، كان العقل السياسي للدولة الأردنية يستجيب لمطلب شعبي، رأى في الكثير من أعضاء ذلك البرلمان استعداداً لحماية الفساد والفاسدين، بعد قناعة بتزوير إرادة الناخبين لذلك المجلس النيابي، وقد اعترف المزورون بذلك، وكان الأمل أن تتمكن الهيئة المستقلة للانتخابات، التي جرى إنشاؤها من إنجاز انتخابات نزيهة، رغم مقاطعة البعض للانتخابات، على أساس رفضهم قانونها الجديد، الذي اعتبروه استمراراً لقانون الصوت الواحد، الذي تمخض عن مجالس نيابية اتسمت بالضعف الفاضح تشريعاً ومراقبة، مع انصراف أعضائها لتشريعات تمنحهم مزايا لا يستحقونها.
تمت الانتخابات الجديدة بنزاهة من حيث الإدلاء بالأصوات، لم يعترض أحد، وحتى المراقبين المحليين والدوليين أشادوا بها، وإن قالوا إنه شابها بعض المخالفات غير المؤثرة، لكن الأزمة انطلقت عند إعلان النتائج، وقد تأخرت بالنسبة للقوائم الوطنية، ما أجج الشكوك بأن لعنة التزوير لم تغادر مربعها، وعندما خيبت النتائج آمال بعض المترشحين الذين لم يحالفهم الحظ في الدخول تحت قبة البرلمان، وهذا أمر طبيعي، إذ لا يعقل أن ينجح الجميع، انبرى هؤلاء لاتهام مستقلة الانتخابات بالرضوخ لقوى غامضه، وتدوير نتائج الفرز، ليفوز بعض المترشحين على حساب غيرهم، وكان اللافت أن قواعدهم الشعبية استجابت للفكرة، فقاموا بأعمال تخريب لمنشآت عامة، وطالب الكثير من الراسبين بإعادة فرز الأصوات.
أعيد عد الأصوات بالنسبة لقائمتين، إحداها تضم أحزاب اليسار، وكانت قد خسرت فرصة تمثيلها في البرلمان، ولو بعضو واحد، وقائمة المواطنة التي فاز رئيسها، وهو وزير سابق وتضم الكثير من أنصار حركة فتح، لكن عدّ الأصوات قلب النتيجة، فخرجت قائمة المواطنة من السباق، وتمثلت أحزاب اليسار مجتمعة بمقعد يتيم في مجلس نيابي، يتكون من 150 عضواً، بات مؤكداً أنه خال من النكهة السياسية، وأنه برلمان لرجال العشائر، وأصحاب رؤوس الأموال، الذين بذلوا الكثير من ثرواتهم، للحصول على عضوية المجلس النيابي.
في قراءة سريعة للنتائج نكتشف أرقاماً مفزعة، فقد نجح أربعة متهمين بشراء الأصوات، ظهرت النتائج وبعضهم في السجن، وفازت ثلاث عائلات بثلاثة نواب لكل واحدة منها، وظفرت خمس عائلات بنائبين لكل منهما، وفاز شقيقان بمقعدين، ومعهما ثلاثة من أصحاب الملايين، وثلاثة متهمين بقضايا فساد، وثلاثين عضواً من المجلس المنحل، كانوا قد صوتوا سابقاً ضد إحالة قضايا فساد واضحة وجلية إلى القضاء، ولم تتمكن القوائم الوطنية من الفوز بأكثر من مقعد واحد ذهب إلى رئيسها، باستثناء ثلاث قوائم، فازت إحداها بثلاثة مقاعد، والاثنتان الأخريان بمقعدين لكل منهما، وبالطبع فشلت الكثير من هذه القوائم في اجتياز النسبة المطلوبة، علماً بأن أكثر من ستين قائمة تنافست على سبعة وعشرين مقعداً.
خسر الإخوان المسلمون فرصة المشاركة في صنع مستقبل البلاد، وبغيابهم تمكن حزب الوسط الإسلامي أن يكون صاحب أكبر كتلة برلمانية، مع سبعة عشر مقعداً، ثلاثة منها عن القوائم الوطنية، والباقي لمترشحين فرديين، وخسر الداعون لنقاء عرق الشرق أردنيين، واعتبار القادمين من أصل فلسطيني ضيوفاً، لا يملكون حقوقاً سياسيةً في وطنهم الجديد، وربحت المرأة مقعدين إضافيين من خارج الكوتا، وفازت واحدة منهما بعدد أصوات مرتفع فاق حتى توقعاتها، والأهم أن الخاسر الأكبر كان الدولة، التي أجرت الانتخابات للخروج من أزمتها، فأنتجت مجلساً نيابياً سيكون بحد ذاته أزمةً تحتاج لحلول سريعة، ربما كان حلًه أقربها.