عدم تحديد ولايات رئيس أي سلطة تنفيذية، يغريه بفعل كل ما من شأنه أن يبقيه جالساً على كرسي الرئاسة، ولأنه رئيس للحكومة، فهذا يعني قدرته على توظيف قوة ومال الدولة لخدمة هذا الغرض الشخصي.. هذا ما يمكن أن يحدث في أي بلد "ديمقراطي" لا تتحدد فيه ولايات رأس السلطة.
من الطبيعي جداً أن يكون السياسيون مصلحيين، ومن الطبيعي أنهم يسعون لكسب ود من يعتقدون أن بيده توزيع مناصب ومكاسب البلد. فإذا تأكدوا بأن السلطة باقية تحت هيمنة رجل واحد فهذا الأمر من شأنه أن يدفعهم إلى تقديم التنازلات له، وتقديمهم التنازلات يمنحه المزيد من القوة والنفوذ، الأمر الذي يخلق لنا غولاً سياسياً لا يستطيع أحد الوقوف بوجهه، وهو السبب الذي جعل المالكي قادراً فيما سبق على تفتيت كل التحالفات التي تشكلت ضده، فما دام احتمال بقائه في منصبه كبيراً لن يجرؤ أحد على الوقوف بوجه رغباته، لا من السياسيين ولا من القادة الأمنيين ولا حتى من القضاة. فالكثير من هؤلاء يرفض مواجهة خوفه من أن يحرمه المالكي من منصب أو مكسب أو جاه.
ما استخدمه المالكي ضد خصومه فيما سبق سيجد نفسه بمواجهته في اللاحق من الأيام، حيث ستواجه كتلة دولة القانون خطر الضعف أو التفكك، فكما أن سياسيي القوائم الأخرى كانوا يحرصون باستمرار على كسب ود المالكي ضماناً لمصالحهم، وكما أن المالكي استثمر هذا "الضعف" بتفتيت كتل خصومه، فإن بعض سياسيي تحالفه سيبحثون من الآن عن رئيس الوزراء المقبل ليقدموا له فروض الطاعة، وسيحسن غرماؤه استثمار نقاط الضعف في كتلته بالضد منه.
إذن صار بمتناول الديمقراطية العراقية حقنة مقويات جيدة، يمكنها أن تأخذها بعد أن تتجاوز الشوط الأخير؛ وهو شوط الطعن بدستورية قانون ولايات الرئاسات الثلاث عند المحكمة الاتحادية، فهنالك مخاوف كبيرة من أن هذا القانون سيلقى حتفه هناك، وإذا فعلتها المحكمة وأفتت بعدم الدستورية فستكون قد ذبحت القضاء العراقي بغير سكين. فليس هناك أي مكان للديمقراطية في بلد يهيمن عليه غول سياسي لا حدود لصلاحياته. لكن هل يمكن لنا اختصار كل مشاكل العراق بالمالكي؟ طبعاً لا، فالأخطار التي تواجه الديمقراطية في العراق لا تنتهي عند كسب الجولة مع السيد رئيس الوزراء، أبداً، والسبب أن لدينا على رأس كل حزب غول يرفض مبدأ تداول السلطة داخل حزبه، ما يعني أن الجميع يتصرفون بنفس منطق المالكي.. على هذا الأساس لن تنتهي حرب الديمقراطية في العراق قبل أن يتم الإجهاز على كل غيلان السياسية فيه.
غيلان السياسة
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2013: 08:00 م
جميع التعليقات 2
ضياء الجصاني
صديقي العزيز في سطورك الاخيرة وضعت يدك على جانب من عوامل الازمة،ازمة الديمقراطية، اما الجانب الاخر الذي اغفلته، فهو تخلف الوعي السياسي في الشارع العراقي مما يسهل عمليات الخداع والدجل التي يمارسها ( غيلان السياسة ) من خلال كياناتهم الفاشلة، وبخروج العراق م
جعفر المزهر
طبعا في الدول المستقرة والعريقة في ديمقراطيتها لا يستطيع اي رئيس حكومة ان يجير امكانات الدولة لصالحه . اما في العراق فالتخوف مشروع . وضروريا ان تحدد مرات الولايات . لكن ما اريد ان اعلق عليه هنا هو محاولة تحويل المحكمة الاتحادية الى خصم مستقبلي اذا طعن