بصمات الجيش كانت واضحة على البيان الذي صدر السبت عن "مجلس الدفاع الوطني" في مصر، الذي يضم كبار قادة الجيش بالإضافة الى كبار القادة التنفيذيين. فاحدى فقراته تدعو الى "حوار وطني تقوده شخصيات وطنية مستقلة لمناقشة قضايا الخلاف السياسي المطروح على الساحة والوصول الى توافق وطني بشأنها".
هذه الدعوة لا يمكن أن تصدر عن الرئيس الإخواني، كما لا يمكن أن تحظى برضاه، لأنها تعبر عن تشكيك بجدية "الحوارات" التي رعتها الحكومة من ناحية، كما تعبر من ناحية أخرى عن درجة ما من فقدان الثقة بالقوى والأحزاب السياسية الحاكم منها والمعارض. والأمران معا ينطويان على ادانة من نوع ما لحزب الرئيس وللحوارات "الشكلية" التي رعاها الرئيس. وتبدو الدعوة بذلك صادرة من طرف يضع نفسه على مسافة واحدة من الحكم والمعارضة معا.
هذا الطرف لا يمكن أن يكون سوى الجيش. وبالتالي فإن هذه الفقرة لا يمكن أن يضعها سوى الجيش، شأن فقرة أخرى في البيان تنص مباشرة على موقف المسافة الواحدة الذي يلتزمه الجيش تجاه الجميع. وتقول هذه الفقرة ان المجلس "يؤكد أن القوات المسلحة المصرية ملك للشعب المصري العظيم، وتقف على مسافة واحة من الجميع، ولا تتدخل في العملية السياسية". لكن هذا التأكيد يأتي مقرونا باستدراك مفاده " الا أنها (أي القوات المسلحة) تدرك واجبها الوطني وحقوق شعبها عليها في تأمين منشآته الحيوية، وتحرص على تحقيق الشعب لطموحاته وآماله ومبادىء ثورته العظيمة".
هذا الاستدراك يتضمن جانبين. أحدهما أمني، وهو المتعلق بحماية المنشآت الحيوية، والاخر سياسي، وهو الحرص على تحقيق آمال الشعب وأهداف ثورته.
وكما مع فقرة الدعوة الى الحوار بقيادة شخصيات مستقلة، من الواضح أن هذه الفقرة مزعجة هي الأخرى للرئيس وللإخوان وحلفائهم. فالقوات المسلحة في كل مكان وزمان هي عصب السلطة، فكيف يمكن للإخوان المستميتين من أجل الاستحواذ على السلطة القبول بأن لا يكون هذا العصب في أيديهم؟ وماذا يبقى لديه من سلطة اذا استقلت القوات المسلحة عنه؟
والحال فإن هذا البيان يشير بشكل واضح الى استمرار الدور السياسي للجيش في مصر، وإن بطريقة غير مباشرة. أما الأمر الواقع نفسه فيؤكد على استمرار هذا الدور بطريقة مباشرة. ففي الظروف الراهنة، بما فيها من انقسام سياسي حاد، وخروج جماهير عديدة عن السيطرة، وأحداث عنف، أصبح الجيش هو العائق الوحيد أمام انزلاق مصر الى الفوضى. وهذا، فضلا عن بعده الأمني، دور سياسي بامتياز.
أما بالنسبة الى دعوة الجيش الى حوار بقيادة شخصيات مستقلة فقد تكون جادة. ولكن ما هي فرصتها من القبول لدى المعسكرين السياسيين الاسلامي والمدني؟ وما هي امكانية نجاحها على فرض قبولها؟ ولماذا لا يكون الحوار مباشرا بين الطرفين المعنيين؟ وهل أرادها الجيش كذلك فالتف عليها الرئيس الإخواني لتطرح بهذه الصيغة التي تجنبه حوارا مفروضا عليه مع الخصوم؟ واذا تعذر الحوار الجاد، بأي صيغة جاء، واستمرت الأوضاع بالتدهور، فهل سيكون الانقلاب العسكري هو الشر الذي لابد منه؟
لشهور عديدة بعد سقوط مبارك ظل جمهور ميدان التحرير يهتف "يسقط يسقط حكم العسكر". ولربما بقي هذا الجمهور، الذي يمثل الطبقة السياسية عموما، عند هذا الموقف. لكن من المؤكد ان هذا ليس هو موقف الأغلبية الفاقدة للأمان والمذعورة من الفوضى.
الانقلاب العسكري
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2013: 08:00 م