TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الانقلاب العسكري

الانقلاب العسكري

نشر في: 27 يناير, 2013: 08:00 م

بصمات الجيش كانت واضحة على البيان الذي صدر السبت عن "مجلس الدفاع الوطني" في مصر، الذي يضم كبار قادة الجيش بالإضافة الى كبار القادة التنفيذيين. فاحدى فقراته تدعو الى "حوار وطني تقوده شخصيات وطنية مستقلة لمناقشة قضايا الخلاف السياسي المطروح على الساحة والوصول الى توافق وطني بشأنها".
هذه الدعوة لا يمكن أن تصدر عن الرئيس الإخواني، كما لا يمكن أن تحظى برضاه، لأنها تعبر عن تشكيك بجدية "الحوارات" التي رعتها الحكومة من ناحية، كما تعبر من ناحية أخرى عن درجة ما من فقدان الثقة بالقوى والأحزاب السياسية الحاكم منها والمعارض. والأمران معا ينطويان على ادانة من نوع ما لحزب الرئيس وللحوارات "الشكلية" التي رعاها الرئيس. وتبدو الدعوة بذلك صادرة من طرف يضع نفسه على مسافة واحدة من الحكم والمعارضة معا.
هذا الطرف لا يمكن أن يكون سوى الجيش. وبالتالي فإن هذه الفقرة لا يمكن أن يضعها سوى الجيش، شأن فقرة أخرى في البيان تنص مباشرة على موقف المسافة الواحدة الذي يلتزمه الجيش تجاه الجميع. وتقول هذه الفقرة ان المجلس "يؤكد أن القوات المسلحة المصرية ملك للشعب المصري العظيم، وتقف على مسافة واحة من الجميع، ولا تتدخل في العملية السياسية". لكن هذا التأكيد يأتي مقرونا باستدراك مفاده " الا أنها (أي القوات المسلحة) تدرك واجبها الوطني وحقوق شعبها عليها في تأمين منشآته الحيوية، وتحرص على تحقيق الشعب لطموحاته وآماله ومبادىء ثورته العظيمة".
هذا الاستدراك يتضمن جانبين. أحدهما أمني، وهو المتعلق بحماية المنشآت الحيوية، والاخر سياسي، وهو الحرص على تحقيق آمال الشعب وأهداف ثورته.
وكما مع فقرة الدعوة الى الحوار بقيادة شخصيات مستقلة، من الواضح أن هذه الفقرة مزعجة هي الأخرى للرئيس وللإخوان وحلفائهم. فالقوات المسلحة في كل مكان وزمان هي عصب السلطة، فكيف يمكن للإخوان المستميتين من أجل الاستحواذ على السلطة القبول بأن لا يكون هذا العصب في أيديهم؟ وماذا يبقى لديه من سلطة اذا استقلت القوات المسلحة عنه؟
والحال فإن هذا البيان يشير بشكل واضح الى استمرار الدور السياسي للجيش في مصر، وإن بطريقة غير مباشرة. أما الأمر الواقع نفسه فيؤكد على استمرار هذا الدور بطريقة مباشرة. ففي الظروف الراهنة، بما فيها من انقسام سياسي حاد، وخروج جماهير عديدة عن السيطرة، وأحداث عنف، أصبح الجيش هو العائق الوحيد أمام انزلاق مصر الى الفوضى. وهذا، فضلا عن بعده الأمني، دور سياسي بامتياز.
أما بالنسبة الى دعوة الجيش الى حوار بقيادة شخصيات مستقلة فقد تكون جادة. ولكن ما هي فرصتها من القبول لدى المعسكرين السياسيين الاسلامي والمدني؟ وما هي امكانية نجاحها على فرض قبولها؟ ولماذا لا يكون الحوار مباشرا بين الطرفين المعنيين؟ وهل أرادها الجيش كذلك فالتف عليها الرئيس الإخواني لتطرح بهذه الصيغة التي تجنبه حوارا مفروضا عليه مع الخصوم؟ واذا تعذر الحوار الجاد، بأي صيغة جاء، واستمرت الأوضاع بالتدهور، فهل سيكون الانقلاب العسكري هو الشر الذي لابد منه؟
لشهور عديدة بعد سقوط مبارك ظل جمهور ميدان التحرير يهتف "يسقط يسقط حكم العسكر". ولربما بقي هذا الجمهور، الذي يمثل الطبقة السياسية عموما، عند هذا الموقف. لكن من المؤكد ان هذا ليس هو موقف الأغلبية الفاقدة للأمان والمذعورة من الفوضى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram