اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإيمـــــــــان

الإيمـــــــــان

نشر في: 28 يناير, 2013: 08:00 م

في أوقات شديدة السوء، عظيمة الإختلاط، كثيرة التشوش، قد تكون كلمة "الإيمان" ذات أهمية للفهم أو التقييم. الإيمان بدين ما، بفكر ما، وبمثل عليا ما. على طول التاريخ تقريبا كانت هناك قوتان إيمانيتان، احداهما علوية، والثانية أرضية، هدفهما في الحد الأعلى ترقية الأخلاق، وفي الحد الأدنى منع الناس من ارتكاب الجريمة. وهما الدين والقانون. الأول يخوِّف بعقاب ويُمَّني بثواب في السماء، والآخر يعاقب عاجلا أو آجلا ويحمي عاجلا وآجلا في الأرض.

وكان "الإيمان" في مرحلة ما من مراحل البشر يعلو ويسِّف معا بالإنسان. وكان ذلك عندما اعتقدت كل جماعة مؤمنة بأن إيمانها هو الحق، وإن ايمان الجماعات الأخرى هو الباطل. فكان الايمان بين أفراد الجماعة الواحدة يلزمهم بقيم تربط بينهم، وترص بعضهم الى بعض كالإسمنت، وترفع أو تحاول أن ترفع أخلاقهم كجماعة مميزة عن سواها.

ولكن ذلك النوع من الايمان كان ينحدر بأخلاق الجماعة عندما يتعلق الأمر بجماعة أخرى لها ايمان مختلف، أو عقيدة مختلفة. فقد كان "الاختلاف" باطلا، ومدانا، ولذلك فإن ارتكاب كل أعمال القسوة تجاهه مشروعا، من نهب وسلب وتعذيب واغتصاب وعبودية وقتل وحتى ابادة. وكان ذلك هو الوجه الظلامي، والإجرامي، من الإيمان. من ذلك النوع من الإيمان الذي يمكن اعتباره ايمانا مغلقا.

وما من جماعة في تاريخ العصور القديمة والوسطى الا وعرفت هذا النوع من الإيمان المغلق، بهذه الدرجة أو تلك. ثم جدَّت على الفكر الانساني "قيمة" أو مثل أعلى جديد. وهي تقدير "الاختلاف" واحترامه، بل وتقديسه. وسميت هذه القيمة حرية العقيدة، في حالة الدين، وحرية التفكير، في حالة العقل الوضعي. فأنت مسيحي، أو بهائي، أو قومي، أو ليبرالي. لك كل الحق في أن تكون ذلك، ولك مني كل التقدير. ويزيد ذلك التقدير اذا كان ايمانك بما تؤمن به من القوة بحيث يؤدي بك الى التضحية من أجله. كل أنواع التضحية بما فيها الأعلى وهو الإستشهاد.

ولكن لكي أحترم ايمانك هذا، وأضعه على عيني ورأسي، مع أنني أخالفه كليا أو جزئيا، وقد أبغضه، فإن عليك مبادلتي احترام ايماني المختلف عن ايمانك احتراما شاملا، كما أفعل. وهذا الاحترام لـ "الإختلاف" هو ما يرفع قيمة الانسان، ويجعل منه قيمة في ذاته، وليس لأنه يهودي أو شيوعي أو اسلامي. انه يجعلك تنظر الى الآخر كانسان، كشريك لك في الانسانية، وتقدره على أساس فضائله أو رذائله في السلوك، أثناء العمل، في الإنتاج، أثناء اللعب، عند الملمات، خلال المناسبات.

هذا الاحترام لـ "الإختلاف"، أو "الخلاف"، هو أحد ما يسمى بالقيم الليبرالية أو الحرة. وقد أصبح داجنا أو مقبولا على نحو واسع مع دخوله ضمن قوانين حقوق الانسان، ودساتير الدول، ومنها دستورنا الذي ينص في المادة 14 منه على تساوي العراقيين أمام القانون "دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين او المذهب أو المعتقد او الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".

ولكن هل أخذت هذه القيمة مكانا فعليا في أرواحنا، كما أخذت مكانا في الدستور؟ الجواب، للأسف، سلبي. فلو كان الجواب ايجابيا لما كانت هناك هذه الموجة الطائفية، ولا هذا الانقسام السياسي على أساس الطائفة والقومية. وقد لا يكون هذا أسوأ ما في واقعنا. فـحال "الإيمان" نفسه، أي ايمان، أصبح موضع تساؤل وموضع شك. سواء كان الإيمان المغلق أو الايمان المفتوح. فالعدمية، وهي موت الإيمان الفعلي والعميق بأي شيء، تكاد تعم. وهذه هي علامة الأزمنة الفاسدة. ولا يشذ عنها، بل يؤكدها، ايمان يفتدي المرء بنفسه من أجله، ولكن من أجل أن يقتل ويدمر، لا أن يُحيي ويعمِّر، وذلك هو ايمان أهل "القاعدة". والكارثة هي أن هذا النوع من الإيمان الأسود يكاد أن يكون الوحيد المتوفر عندنا من أنواع الإيمان الملزمة بالتضحية من أجل فكرة، أو عقيدة. فيا لصحراء أرواحنا؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. smh

    اشد على عزيمتك في تحطيم المقدس وبشكل جدا حضاري

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram