الرحلة التي بدأها السيد جار الله وهو يقود جموع الهاربين من ألم السياط، ومرارة الحياة في ظل الجور والاستلاب، إلى حيث الحلم والخلاص.. الحلم في حياة تكرم آدميتهم وتمنحهم بصيص أمل في حياة محتملة، ليكتشفوا في ما بعد لا جدوى من هذا السعي المحموم للحي
الرحلة التي بدأها السيد جار الله وهو يقود جموع الهاربين من ألم السياط، ومرارة الحياة في ظل الجور والاستلاب، إلى حيث الحلم والخلاص.. الحلم في حياة تكرم آدميتهم وتمنحهم بصيص أمل في حياة محتملة، ليكتشفوا في ما بعد لا جدوى من هذا السعي المحموم للحياة وكان الأمر (خراب أينما حلوا) وكان عليهم أن ( لا يتوقعوا أن تقدم لهم ايثاكا الثروات) كما يقول كافافيس.
الرحلة التي رصدها لنا القاص والروائي عبد الله صخي المعجون بمرارة وألم أولئك الأسلاف، طلائع الهجرة الأولى من مدن الجنوب الرازحة تحت وطأة استلاب والحرمان، وبأسلوب ملحمي اعتمد التكثيف، راصدا أحداثا شكلت منعطفات في تاريخ الوطن، وراسما ببراعة شخصيات اختزلت صفات الجموع.
في (خلف السدة) وقف عبد الله صخي عند واحدة من أهم الحقب في تاريخ العراق، ليؤرخ بدايات الهجرة من الريف إلى المدينة على خلفية أحداث اجتماعية وسياسية محتدمة شهدها العراق في النصف الثاني من القرن المنصرم.
وبعد أن نتوقف في خلف السدة عند البدايات الأولى للهجرة وما رافقها من أحداث تأخذنا رواية (دروب الفقدان) لعبد الله صخي الصادرة حديثا عن دار المدى إلى متابعة حيوات ومصائر الشخصيات الرئيسية التي وردت في رواية (خلف السدة). إنها تواصل تلك الرحلة المضنية التي بدأها المهاجرون الأوائل وأقاموا خلف سدة ناظم باشا ثم استقروا في مدينة "الثورة" (الصدر حاليا). من هنا تعالج الرواية يوميات مكية الحسن وابنها علي سلمان وابنتها مديحة والناس في الجوار في رحلة جديدة، رحلة المدينة هذه المرة وأثر الإجراءات السياسية ليس في تلك العائلة فقط إنما في عموم السكان في تلك البقعة التي حوصرت بالتهديد المستمر.
يقول عبد الله صخي عن عمله الروائي الجديد:
حاولت من خلال عائلة مكية الحسن أن اكشف معاناة جيلي ليس فقط ممن عاشوا في مدينة "الثورة" إنما في كل مناطق البلاد في تلك الحقبة. ليس لدي أدنى شك في أن الغالبية العظمى من المجتمع تأثرت بالقمع والطغيان وسياسة الحزب الواحد. حتى أولئك الذين كانوا يوالون تلك السلطات عانوا سياستها الشمولية العدوانية. كانت أحلام الناس تصطدم برغبة سلطوية متوحشة بالإخضاع ومصادرة الحريات. في هذا المناخ الكئيب يسطع في الرواية الحب والشوق والحسرات والأمل بنسمة حرية تعيد للإنسان سنواته المهدورة.