أتاح مهرجان دبي في دورته الأخيرة لعشاق السينما فرصة التمتع بأفلام مهمة أنتجت عام 2012 وحصلت على جوائز مختلفة... فبعد (حب) الفائز بسعفة كان الذهبية، و( بييتا) الكوري الفائز بجائزة فينسيا، وفيلم المعلم للمعلم حقاً بول ثوماس اندرسون، جاءت الفرصة لفيلم م
أتاح مهرجان دبي في دورته الأخيرة لعشاق السينما فرصة التمتع بأفلام مهمة أنتجت عام 2012 وحصلت على جوائز مختلفة... فبعد (حب) الفائز بسعفة كان الذهبية، و( بييتا) الكوري الفائز بجائزة فينسيا، وفيلم المعلم للمعلم حقاً بول ثوماس اندرسون، جاءت الفرصة لفيلم ميشيل اودريار الرقيق (صدأ وعظم).
فبرغم حصوله على جائزة السيزار الفرنسية، التي هي المعادل لجائزة الأوسكار الأمريكية، لأكثر من مرة، إلا أن جاك أودريار لم يحظ بهذه الشهرة العريضة حتى صنع فيلمه المهم (النبي) الذي جسد بطولته نجم السينما الفرنسية الآن الممثل طاهر رحيمي، جاء فيلم (النبي) ليخطف عقول نقاد السينما وقلوب محبي الأفلام، تلك الحكاية عن الشاب الفرنسي ذي الأصول العربية الذي يدخل السجن بتهمة ما، وليخرج منه بعد (6) سنوات قائداً لشبكة كبيرة من تجار المخدرات.
هذه المرة يعود أودريار بفيلم رقيق، شفاف، عميق، صدأ وعظم ، الذي يشي عنوانه بشيء من القسوة، لكنه يغوص في أحلك المناطق الإنسانية عتمةً وظلمة، مع ماريان كوتيارد التي تربك المشاهد وتقلقه وهي تفقد ساقيها بعد رحلة تدريب مع الدلافين، بأنوثتها الطاغية العنيدة، وبقدرتها على تحويل لحظات الضعف إلى فجيعة وألم، في الجهة المقابلة هناك (علي) ، أب لصبي لا يعرف كيف يوفر له ضرورات الحياة المادية، ليس هنالك من نقاط مشتركة بين بطلي الفيلم، هي رومانسية، عذبة، وهو فحل جنسي، ضائع، هكذا يتم اللقاء الأول بينهما ذات مساء إثر عراك على باب ملهى ليلي حيث يعمل (علي) كحارس حماية.
شخصيات هامشية من الحياة وهو ما يعجب أودريار، حيث ولعه بتقديم هكذا عوالم، أنه يتركها لمصيرها ولذاتها، لكنه هذه المرة يقدمها مع شيء من الميلودرامية الرقيقة والتي تسير على طوال أحداث الفيلم، هذه الرقة التي تتفنن بها السينما الفرنسية ،وهي الوحيدة التي تمتلك هذه الوصفة، حتى في أحلك لحظات القسوة.
بقيت سينما أودريار تحمل نفس الثيمات (التعبير الصعب عن الذات، العنف المكبوت، القسوة مع الجسد لتفريغ معاناة الوحدة والكبت، التغلب على قسوة الحياة)، لذا تحاول البطلة أن تقف ثانية على قدميها حتى لو كانت اصطناعيتين، لتسير نحو حياة جديدة، أما علي فلا يجد سوى حلبات العراك بالأيدي العارية ليكسب بعض المال الملطخ بالدم، وليشعر أنه ما زال رجلاً في عالم ملتبس.
مشاهد الجنس التي أكثر منها المخرج لم تكن زائدة أو اعتباطية، بل هي ثيمة الفيلم الأساسية حول رجل مكتمل وامرأة ناقصة جسدياً، لكنها تفيض عاطفة وحنان، فكرة لم تجسدها السينما الفرنسية بهذا العمق والوضوح والجمالية، هي تكمل رجولته وضياعه، فكرة الاكتمال هنا تبلغ ذروتها، أن اقتران الإعاقة الجسدية بالحب ليست جديدة على سينما جاك اودريار، فالمتتبع لسينماه سيجد صداها في (على شفتي 2001) عن تلك الفتاة الصماء التي تقع في غرام زميلها لتتحول نقطة الضعف إلى قوة.
ماريان كوتيارد كالعادة متألقة وساحرة، ماتياس شونارتس البلجيكي كان حضوره طاغياً، انه يحمل موهبة استثنائية، صدأ وعظم حلم آخر لأودريار أن يخطف به جائزة سيزار أخرى بعد (انظر الرجال يقعون 1994) و( من الخفقان توقف قلبي 2006) ثم (النبي 2009) ، أو يذهب نحو حلم أكبر حيث جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، انه المخرج ذو الطاقات الجمالية والسردية وربما هو آخر الرومانسيين في زمن العنف.
جميع التعليقات 1
حسين صياح
دائما متالق يا استاذي ابدعت بهذا المقال الرائع لفيلم اكثر من رائع واكثر ما اثر بي المشهد الاخير حين يقوم بانقاذ ابنه من الجليد فهو احد المشاهد السنمائية الخالدة شكرا لك وللسينماالفرنسية على هذا الفيلم.