أكثر من ثمانين جثة تم انتشالها من نهر في حي بستان القصر في حلب الشهباء، والعدد مرشح للارتفاع حالما يكون ممكناً انتشال المزيد من قاع النهر، وفوراً تطايرت الاتهامات، فالسلطة تحمل جبهة النصرة المسؤولية عن اغتيال مدنيين كانوا مخطوفين لديها، وقد نفذت فيهم إعداماً جماعياً، وألقت بجثامينهم في نهر قويق في منطقة بستان القصر، وأن الأهالي تعرفوا إلى بعضهم، وكان هؤلاء اختطفوا لرفضهم التعامل مع هذه الجبهة، ومطالبتهم لإرهابييها بمغادرة أحيائهم السكنية، ولمزيد من الإثارة وشيطنة الآخرين، قيل إن الإرهابيين اتصلوا أكثر من مرة في اوقات سابقة، لدفع فدية مقابل إطلاق سراحهم.
المعارضون للأسد قالوا بعد انتشالهم الجثث، إن قناصة النظام يمنعونهم من انتشال ما تبقى، واتهموا النظام بإعدام الضحايا، الذين كانت جثثهم مكبلة الايدي، وأعدموا برصاصات في الرأس، وهم جميعاً من المدنيين، ومن بينهم طفل أعدم بدم بارد، وقالوا إنهم في العادة، يعثرون على جثتين او ثلاث، لكنهم لم يعثروا يوما على عدد مماثل، وأن بعض الجثث تعود إلى أيام مضت، لكن الغالبية أعدمت حديثاً، وأن عدداً من الضحايا ألقي بهم في المياه وهم ما زالوا أحياء، وتوفوا غرقاً.
لا يملك المراقب دليلاً على أي من الطرفين ارتكب المجزرة، وكلاهما مرشح لذلك وقادر عليه، المهم أن الحرب الطائفية الدائرة في سوريا أسفرت عن أبشع وجوهها وأكثرها انحطاطاً وخسةً، وكأن المتقاتلين هناك يسعون جاهدين لاستنساخ التجربة العراقية الشديدة المرارة، وقد صحّ تقييم المبعوث الأممي الأخير بأن سوريا تنهار أمام أعين الجميع، وأنه وإن كان بمقدور الرئيس السوري التشبث بالسلطة الآن، إلا أن البلاد تتداعى، بعد أن تضررت شرعية النظام بدرجة خطيرة، وربما على نحو لا سبيل إلى إصلاحه.
مع كل هذا القتل بدم بارد فإن مجلس الأمن الدولي يكتفي بالتفرج، منتظراً أياماً أفضل بدل النهوض بمسؤوليته في معالجة المشكلة فوراً من خلال الضغط على أطراف النزاع كافة والأخذ باقتراح المبعوث الأممي برفع الالتباس في إعلان جنيف حول مصير بشار الأسد في عملية سياسية انتقالية، أي سحب جميع صلاحياته وأن تعطى فيها الحكومة المقررة بموجب إعلان جنيف جميع السلطات التنفيذية، وبمعنى أن تتحول جميع سلطات الدولة إلى هذه الحكومة، علّها تكون قادرةً على وقف شلال الدم، ووضع البلاد على سكة الحل المأمول.
فيما تدعو مجزرة حلب إلى وقفة جادة وعميقة ومسؤولة، وهي التي يعطي فيها السوريون أسماءً جديدة لمناطقهم وأحيائهم، " من يرضى بعد اليوم بتسمية بستان القصر على ما فيها من رفاهية ونعيم بعد أن تحولت المنطقة إلى بستان موت بشع وكريه "؟ ينشغل الإعلام العربي بأحداث قد تكون هامشية مقارنة بما يحدث في سوريا، وتمر مجزرة طائفية بامتياز سريعاً على الصفحات الداخلية للصحف، أو يجري تعديل أعداد قتلاها على الشريط الإخباري الذي لايحظى بأي متابعة على شاشات الفضائيات، ويتجاهل الجميع أن تفاعلاتها ستكون مؤثرة بعمق على مستقبل المجتمع السوري، وعلى مستقبل المنطقة بأسرها في ظل كل هذه الوحشية التي لم نلحظها حتّى في التعامل مع أعداء الأمة.
بستان القصر تحول إلى بستان الموت، والحبل على الجرّار.