وثاب داود السعديوقوع العراق تحت الاحتلال بهذه الطريقة، وهيمنة القوى الاجنبية على القرارات الرئيسية، وتعطيل اجهزة الدولة، فاقم من الأزمات التي كانت تعصف بالبلاد، واضاف لها مشاكل اساسية جديدة، كفقدان الامن وتعطل معظم الخدمات العامة من الكهرباء
والنقل والماء والاتصالات وغيرها. هذه العوامل فسحت المجال لقوى الإرهاب والتطرف الدموية، وللمليشيات المختلفة، ولبقايا اجهزة الدمار الصدامي، لسفح دماء العراقيين، تحت مختلف الحجج والادعاءات، ولكنها تشترك جميعا بارتكاب أفظع الجرائم ضد العراقيين دون تمييز. في ذات الوقت، ورغم كل الصعوبات، فتح انهيار النظام الدكتاتوري آفاقا واسعة للتطور الانساني والمادي، وإمكانية السير نحو الديمقراطية. ولكن على العكس من ذلك لجأت القوى الطائفية من كل صوب الى فرض نظام محاصصة مقيت نخر المجتمع نخراً وحوله الى ملل وجماعات متناحرة او متنافسة على اقتسام ثروات هذا البلد دون اية التفاتة الى شعبه وأبنائه. وساهم هذا النظام المتخلف في فرش الارض لقوى الارهاب الاجرامي والمليشيات وفي تعطيل بناء الدولة وخصوصا اجهزتها الامنية لانها ملئت بأبناء المحاصصة ومريدي الامراء الجدد، والوسطاء في الصفقات، وكأنما صفات النزاهة والكفاءة والمواطنة هي مواصفات اعداء القادة الجدد. هؤلاء القادة، ابطال المحاصصة بكل مفاصلها، لم يدعوا امتيازاً لم يضفوه على انفسهم كأنهم غزاة جاؤوا من بعيد، يغدقون ما يمكن الحصول عليه بانتظار الرحيل. فهل يعقل في أي بلد في العالم ان يهتم النواب أولاً بتقرير تقاعد هائل لهم ومنح عوائلهم جوازات سفر دبلوماسية واستيلائهم على مخصصات لا تطاق في بلد يتضور جوعا ويبكي ألماً تحت سياط الارهاب؟ وهل يجوز ان يملأ المسؤولون مكاتبهم بذوي القربى والحزبيين والموالين في حين يحتاج البلد الى الكفاءات والاخلاص والنزاهة ليخرج من محنته. واذا سلمنا بأن هناك تطورا حقيقيا في مجالات متعددة، ورغم الحلول التي وجدت للبعض من المسائل، فان المشاكل الرئيسية الأخرى ما زالت مستشرية، وغالبية المجتمع يعاني من مشاكل جمة العراق بلد غني ولديه امكانات بشرية كبيرة فليس من المعقول الا يتقدم. ما هو مثير للتساؤلات الكبيرة هو ضعف بطْ او حتى انعدام هذا التقدم في مجالات جمة، لم تصل يد الدولة اليها رغم توفر الامكانات على الاقل نظريا. ما هو السبب؟ حل هذه المشاكل يحتاج إلى إدراك عميق لأسباب الأزمة، والى معالجة شاملة لمسببات وأصول العطل الذي أصاب مختلف مرافق الحياة العامة. ولكن الحلول لا تأتي من جماعة معطلة بذاتها لا تسعى الى الصالح العام. سنسوق مثلا واحدا. طالما تذرع المسؤولون بالارهاب لعدم وجود الكهرباء. ولكن توقف الهجمات الارهابية على هذه المرافق منذ اكثر من سنتين كشف علنا انهم يكذبون على الجميع. لقد أصبح جليا أمام المواطنين تقاعس وضعف قدرة الحكومة الحالية على إدارة شؤون البلاد وتوفير المستلزمات الأساسية للمواطنين وحل مشاكلهم الرئيسية وعلى رأسها مشكلة البطالة والفقر وقصور الخدمات العامة كالكهرباء والماء والتطبيب والتعليم، ويعزز من هذا العطل سلوك قوات الاحتلال، التي غادرت ولم تغادر المدن. هذه الحكومة التي تعيش بقضها وقضيضها (عدا بعض الاستثناءات النادرة) خارج المجتمع العراقي خلف جدران من السمنت المسلح، وعشرات البنادق المشرعة لحماية هذا المسؤول الرفيع او ذاك ، تركت المجتمع العراقي لقمة سائغة للإرهاب والمليشيات وعصابات الاختطاف والجريمة المنظمة وغير المنظمة، وانتظرت ان ينخفض معدل الجرائم لتصول وتجول، تهنئ نفسها بالانتصار، على ماذا؟ أقادسية صدامية اخرى؟ تلك التي خرج منها بعد ان نزع كل ملابسه ونياشينه ليخبرنا بأنه انتصر في الحرب. واذا لم نسامح صدام وعصابته ولم يسامحه الشعب العراقي، فلماذا نسامح من ترك العراق ساحة للمجازر وأهدر المال العام، وجعل من الثروات الكبيرة التي توفرت للعراق خلال الفترة الماضية فيئا للحاكمين ومن حولهم. هذه القوى الحاكمة تهمل بشكل متعمد ومقصود الشباب الذين يشكلون الاكثرية في هذا البلد. فهي تعمل على الإغراء ببعضهم وإبعاد الغالبية العظمى عن المشاركة في القرارات واولها المساهمة الجدية في الانتخابات. غالبية هذه الجماعات الحاكمة تعتبر ان ايديولوجيتها وإيمانها لا يكتملان إلا باضطهاد المرأة وإعادتها الى الكهوف والغرف المنسية. فحرية المرأة وبال عليهم وخصمهم اللدود. وليسوا اول فصيل ظلامي في تاريخ الامم. حقوق الانسان اهدرت فقتل مئات المواطنين، وسجن الكثير بدون وجه حق او لمجرد ابتزازهم وجرى تعذيب البعض الآخر بينما نرى بعض الارهابيين والمجرمين احرارا بسبب صفقة ما او مبلغ لا يعز عليهم دفعه. ان تكرار هذه التجربة الاليمة والمؤلمة وعودة نفس القوى والوجوه الحالية الى دفة السلطة سيرهن مستقبل العراق لفترة طويلة وسيفرغه من آماله ومن شبابه، حملة الامل المستقبلي. الانتخابات القادمة مكلفة بانتخاب مجلس نواب ينهي التعديلات على الدستور. ويختار حكومة تنجز مراحل تحقيق استقلال العراق وإجلاء القوات الأجنبية تماما، وبناء الأسس الضرورية للانتقال إلى مجتمع ديمقراطي حر عصري ومستقل. وإرساء الأسس اللازمة للإجابة على مطالب وحاجات ا
مشروع :الخلاص من آفات الطبقة السياسية الحاكمة وبناء دولة المواطنة
نشر في: 25 أكتوبر, 2009: 04:39 م