TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دولة " الحيطة والحذر" على الطريقة العراقية

دولة " الحيطة والحذر" على الطريقة العراقية

نشر في: 30 يناير, 2013: 08:00 م

هل تريدون الفوضى، ام ديكتاتورا يجنبكم الوقوع في أهوال  المصائب والحرب الأهلية؟.. هذا السؤال اصبح يطرح هذه الايام وبقوة .. كيف تريدون استقالة رئيس وزراء منتخب؟.. ويردد المقربون والمنتفعون شريطا غنائيا واحدا : انكم تريدون اسقاط التجربة الديمقراطية الوليدة ، والالتفاف على ارادة الجماهير ، وإجهاض  العملية السياسية .. وبلغت الشعارات حدا ان البعض قال: اذا كنتم مصرين على تغيير المالكي .. فليس هناك من حل سوى السلاح الذي سيكون الحكم بيننا وبين من يريدون الالتفاف على  العملية السياسية.

فيما العراقيون يعيشون لحظة فارقة في تاريخهم المعاصر وسط خطابات زائفة ومقيتة عن الديمقراطية وارادة الناس  واعادة انتاج نظام لايعرف الا لغة السمع والطاعة.. خطابات ينسى اصحابها ان الديمقراطية  ليست سلاحا تقتل به ابناء شعبك.. وان الديمقراطية لايمكن تجريدها من جوهرها الحقيقي الذي يعني ان الحاكم المنتخب لايحق له ان يكون سيفا مسلطا على رقاب الناس يجزها في اللحظة التي يعتقد فيها ان هذه الديمقراطية نفسها تريد له ان يغادر الكرسي بسلام. 

اصحاب الوصايا  يحذروننا هذه الايام  من أن العراق سيمر بظرف عصيب، لو أن الشعب لم يأخذ "  الحيطة والحذر " من الاعداء الذين يتربصون به .. يتحدثون كل يوم عن الكارثة التي تنتظرنا لو أننا تجرأنا مجرد التفكير في المطالبة بالاصلاح السياسي، ففي خطابات متشنجة تعيش على بث الرعب والفزع في نفوس العراقيين نجد ان الجملة الشهيرة " الحيطة والحذر " استخدمت خلال هذا الشهر فقط اكثر من عشرين مرة في خطب القاها علينا المالكي .." حيطة وحذر من المطالبين بتقاسم السلطات  " .. حيطة وحذر من اهالي الموصل .. حيطة وحذر من تعاطف اهل البصرة مع اهالي الانبار .. حيطة وحذر من المطالبة بمحاسبة  المفسدين والفاسدين.. حيطة وحذر من الذين يحاولون حرف التظاهرات عن مسارها الطبيعي كما ابلغنا المالكي بنفسه امس.

خطابات يذرف اصحابها الدموع كذباً دفاعا عن الأمان والاستقرار، متناسين ان " الحيطة والحذر " التي صدعوا رؤوسنا بها  لم تجلب للناس سوى الفوضى والخراب،

كل تجارب التاريخ تعلمنا ان الاستبداد والتسلط لا يصنع دولا تنعم بالعافية ، مهما كانت الشعارات التي يرفعها اصحاب مبدأ الحيطة والحذر والاكاذيب التي ينشرونها بين الناس.

الاستقرار والرفاهية لا تأتي أبداً بالشعارات فهذه أدوات استخدمت لصناعة الدكتاتوريات والخراب، وعلى كل شبر من أرض العراق لا تزال تلعن شواهد قبور ضحايا الاستبداد ورافعي شعار "الحيطة والحذر".

سياسيون يعتقدون ان كل الطرق تؤدي الى " الحيطة والحذر" ، متناسين ان الديمقراطية التي يريدون إجهاضها هي التي اوصلت المالكي الى كرسي رئيس الوزراء ، وهي نفسها اليوم تريد منه ان يكتفي بدورتين فقط لاغير .

ما يجري هذه الايام من تخويف الناس وترويعهم مرة بحجة الخوف من الانفلات الأمني ومرة بشعارات عن التدخل الاجنبي ، ومرات عدة بالتآمر الدولي يكشف لنا  بجلاء أن البعض يريد ان يكسر شوكة الآخرين من خلال تنفيذ مخطط لترويض الجميع على الاذعان للأمر الواقع ، لتبدأ بعدها مرحلة التربص بالجميع من خلال سياسات متعمدة تستهدف الإجهاز على أي مطالب للإصلاح ، وحين تطالب الناس بالعدالة الاجتماعية ومحاسبة المفسدين نجد المقربين يهرعون  لرفع شعار "الحيطة والحذر" في الشوارع والساحات.

والأمر ذاته يحدث فيما يخص الأمن إذ يجرى إذلال المواطنين أمنيا ويحاطون بحزام مرعب من جرائم القتل والخطف وفقا لنظرية "الحيطة والحذر" ، بما لم يترك مجالا لأحد لكي يفكر الناس في موضوع الخدمات والإصلاح السياسي، وبمعنى آخر يحاول المقربون أن يجعلوا من الاستقرار ثمناً للحيطة والحذر.

تزدهر الأوطان بقادة يصرون على إشاعة روح التسامح والأمل والعدالة الاجتماعية وبسط سلطة القانون، بينما نغرق نحن مع ساسة لا يتوقفون لحظة واحدة عن بث الخوف والفزع في نفوس الناس من خلال اقامة دولة شعارها "الحيطة والحذر".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. ابو علي الزيدي

    الحيطه والحذر .من اي شئ نحتاط ونتحذر .من مطالبتنا بالخدمات ومحاربة المفسدين .من مطالبة العاطلين عن العمل بايجاد فرصة عمل لكي يعيلوا عوائلهم بكرامه. عن اي حيطه وحذر يتحدثون فاليقولوها بصراحه ان كانوايعرفوا الصراحه ويتصفون بها. ان الشعب قد عرف هذه الاعيب من

  2. عمر علي

    شكرا استاذ علي حسين حفظك الله ورعاك على ما تكتب من تحليلات صادقة وعلى فضحك للممارسات الدكتاتورية التي جعلت من العراق سجنا كبيرا حتى لمن هم خارج سجون المالكي. نريد ان نعيش كما تعيش شعوب الارض ونريد ان نشعر بالامان بعيدا عن مظاهر العسكرة والتفتيش و الريبة ا

  3. فراس فاضل

    فى عهد صديم كانت الشعارات --شدوا الاحزمه--الحيطان لها اذان --من لايعمل لاشرف له--اذا قال صدام قال العراق--الى متى يبقى العراقى يردد هذه الشعارات المزيفه وكبار المسؤولين يسرقون ويكدسون الدولارات والشعب يموت جوعا--تحياتى لك يارائع-

  4. عساكم بخير

    نعم سيدي كاتب المقال اليوم نعيش بالحيطة والحذر من كل شي حتى المطر الذي ينهمر على رؤوسنا في هذا الفصل علينا اخذ الحيطة والحذر منه وحبر الطابعة والقلم علينا ايضا ان ناخذ الحيطة والحذر اذن اين الحرية والديمقراطية ايها المتشدقون بها لقد كشفه زيفهم واصبحوا عرا

  5. ضياء الجصاني

    السيد علي المحترم، انت تتحدث عن الحيطة والحذر، بينما تأتي مقالاتك، بموضوعاتها ولا موضوعيتها في احايين كثيرة، خارج اسوار الحيطة والحذر، وهذا يعني احد امرين، فاما ان تكون على قدر غير عادي من الشجاعة والفدائية لتكتب بهذه الطريقة، التي تخلط بها الالوان وتلبس

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

 علي حسين يريد تحالف "قوى الدولة " أن يبدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن والمواطنين مثلما أخبرنا بيانه الأخير الذي قال فيه إن أعضاء التحالف طالبوا بضرورة تشريع تعديلات قانون الأحوال الشخصية، التي...
علي حسين

قناديل: انت ما تفهم سياسة..!!

 لطفية الدليمي كلُّ من عشق الحضارة الرافدينية بكلّ تلاوينها الرائعة لا بدّ أن يتذكّر كتاباً نشرته (دار الرشيد) العراقية أوائل ثمانينيات القرن الماضي. عنوان الكتاب (الفكر السياسي في العراق القديم)، وهو في الاصل...
لطفية الدليمي

قناطر: كنتُ في بغدادَ ولم أكنِ

طالب عبدالعزيز هل أقول بأنَّ بغداد مدينةٌ طاردةً لزائرها؟ كأني بها كذلك اليوم! فالمدينة التي كنتُ أقصدها عاشقاً، متلهفاً لرؤيتها لم تعد، ولا أتبع الاخيلة والاوهام التي كنتُ أحملها عنها، لكنَّ المنعطفَ الخطير والمتغيرَ...
طالب عبد العزيز

الزواج رابطة عقدية تنشأ من دون وسيط كهنوتي

هادي عزيز علي يقول الدكتور جواد علي في مفصله لتاريخ العرب قبل الاسلام ان الزواج قبل الاسلام قائم على: (الخطبة والمهر وعلى الايجاب والقبول وهو زواج منظم رتب الحياة العائلية وعين واجبات الوالدين والبنوة...
هادي عزيز علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram